للمحكمة الجنائية في اجتماعات مكثفة مع المسؤولين السودانيين بشأن مذكرة التوقيف الصادرة بحق المعزول عمر البشير و3 من مساعديه في التهم الموجهة لهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور لكن في الجانب الآخر ينظر ضحايا الحرب أنفسهم إلى الأمر بعيدا عن الصور البروتوكولية.
ويريد ضحايا الحرب في دارفور وفقا لما يقوله ضحايا من بينهم مصطفى اسماعيل رؤية خطوات تجلب لهم عدالة حقيقية تخفف عنهم الغبن الذي يشعرون به.
بالنسبة لإسماعيل فإن المسألة تتعلق بمحاسبة كل من تسبب في مأساة أهل دارفور وهو أمر لن يتحقق إلا بتسليم عمر البشير والمتهمين الآخرين للمحكمة الدولية في لاهاي لأنهم يفقدون الثقة تماما في القضاء السوداني بحسب تعبيره.
ويؤكد إسماعيل أن الجرائم التي ارتكبت بحق ضحايا حرب دارفور ستؤجج حالة الغبن وربما تعصف بجهود السلام الحالية إذا لم تتحقق العدالة بالشكل الذي يريده أصحاب المصلحة الحقيقيين.
ويحكي إسماعيل مأساته ويقول إنه عندما حل التاسع من مارس من العام 2003 كان قد بلغ لتوه التاسعة من عمره وكان ينعم هو وأقرانه بحياة هادئة في قريتهم الدارفورية التي تحفها الوديان والسهول الخضراء من كل جانب لكنه لم يكن يدري أن ذلك اليوم سيشكل لحظة فارقة في حياته بل في تاريخ السودان أجمع.
ويمضي فيقول في ذلك اليوم استيقظنا على وقع أصوات رصاص وضجيج وصراخ نساء ورائحة أجساد محترقة وفزع وهلع قطع هدوء القرية
وفي الواقع كانت تلك اللحظة بداية اندلاع حرب دارفور التي اعتبرت واحدة من أبشع الحروب في العالم حيث راح ضحيتها أكثر من 4 ملايين ما بين قتيل ونازح.
اليوم وبعد مرور أكثر من 17 عاما على اندلاع تلك الحرب، يقف اسماعيل مشدوها أمام شاشة التلفاز لمعرفة ما ستقوله مدعية المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا بعد الجدل الكبير الذي صاحب مذكرات التوقيف التي صدرت في العام 2009 بحق البشير المتهم الأول بارتكاب جرائم حرب في دارفور والذي حكم السودان خلال الفترة من يونيو 1989 وأبريل 2019 عندما أطاحت به ثورة شعبية وأودعته سجن كوبر الواقع على بعد أقل من 4 كيلومترات من القصر الجمهوري الفخم بالخرطوم والذي كان يصدر منه أوامر الحرب ويعقد من داخله صفقات القتل مع تلك المليشيات التي حولت طفولة إسماعيل وأقرانه إلى جحيم لا يطاق وفرقت الكثير منهم عن عائلاتهم.ومثل إسماعيل يرى قمر الدين آدم قمرين وهو من ضحايا الحرب أيضا لكنه أصبح لاحقا ناطقا رسميا باسم تحالف شباب الهامش إنه لا مناص من تسليم البشير والمتهمين الآخرين للخضوع أمام المحكمة الجنائية في لاهاي.
ويبرر قمرين موقفه هذا بسببين الأول يتعلق بعدم وجود نصوص واضحة في القانون السوداني تحاكم مرتكبي جرائم الحرب بالشكل الذي يمكن أن يحقق العدالة للضحايا.
أما السبب الثاني بحسب وجهة نظر قمرين فتعللق بوجود العديد من العناصر الموالية لنظام البشير في الأجهزة العدلية وهو ما سيؤدي إلى تضارب مصالح يضر بالعدالة.
ويقول قمرين إن طبيعة الجريمة المرتكبة في دارفور والتي شملت أعمال حرق واغتصاب وقتل ممنهج تحتاج إلى وعاء عدلي أكثر مصداقية تؤدي إلى تحقيق العدالة الانتقالية والتمهيد لتعايش سلمي ينهي مظالم الماضي.
ووفقا للناشطة النسوية علوية أرباب فإن أي تراخي في تحقيق العدالة سيزيد من الاحتقان والغبن خصوصا عند شريحة النساء التي تعتبر الأكثر تضررا من انتهاكات الحرب والتأثيرات الكبيرة التي تبعتها.
وتشير أرباب إلى تعرض النساء في أكثر من 80 في المئة من مناطق الحرب وخصوصا منطقة وادي صالح لعمليات اغتصاب واضطهاد غير مسبوقة.
بعيدا عن البروتوكولات
غلبت اللغة الدبلوماسية على التصريحات التي أدلت بها بنسودا عقب اللقاءات المكثفة التي أجرتها في الخرطوم مع رئيسي مجلسي السيادة والوزراء عبدالفتاح البرهان وعبدالله حمدوك ووزير العدل نصرالدين عبدالباري خلال الأيام الثلاثة الماضية. ولخصت بنسودا أهداف الزيارة ومحتوي مباحثاتها مع المسؤولين السودانيين في بحث التعاون القضائي وسبل محاكمة المطلوبين.
ولم يشمل برنامج فاتو بنسودا أي زيارة ميدانية لمناطق الحرب، لكنها أشارت إلى أن لن المحكمة ستنظم مستقبلا زيارات لقرى دارفور المتضررة ولقاء أسر الضحايا للبحث عن الحقيقة عن قرب.
ونفت المدعية أن يتم تسليم المطلوبين في هذه المرحلة مؤكدة أن دور المحكمة في هذه الفترة يقتصر على المزيد من التحريات للحصول على أدلة أكثر لدعم القضايا الجنائية فيما يختص بالتهم الموجهة للمطلوبين داعية كل من يملك أدلة جديدة أو معلومة عن شخصيات أخرى متورطة في القضايا الجنائية أن يتقدم بها لمتحري المحكمة دون تردد.
وبدا عدم رضا الفعاليات الدارفورية بمسألة التركيز أكثر على الجوانب البروتوكولية خلال زيارة بنسودا دون التركيز على الضحايا وهو ما يؤكده طارق الشيخ عضو هيئة محامي دارفور الذي يقول إنه كان من الواجب توظيف الزيارة للبحث في الجرائم والوصول للجناة وليس للقاءات والتقاط الصور مع المسؤولين.
ويشدد الشيخ على أن الطريق نحو حل مجمل أزمة السودان يكمن في حل أزمة دارفور وتحقيق العدالة الحقيقية لأهلها الذين تضرروا كثيرا من الحرب وهو ما يتطلب ضرورة تسليم البشير والمتهمين الآخرين للمثول أمام المحكمة في لاهاي. وقال الشيخ إن تسليم المتهمين وجلب العدالة هو مطلب أساسي لثورة ديسمبر وسيشكل دليلا على رغبة السودان في الاندماج في المجتمع الدولي بعد عزلة استمرت 30 عاما.وينبه الشيخ إلى أن مطالب ضحايا حرب دارفور ستصطدم حتما برغبة مركزية تقاوم عملية تسليم البشير تمارسها مراكز عدة تنتمي للرئيس المعزول وأجهزة نظامه البائد التي لا زالت باقية في ظل ظروف تتحكم فيها جهات خارجية في الشأن الداخلي
وفي حين يؤكد الشيخ ثقته في استمرار زخم المواقف الداعمة لتسليم البشير والمتهمين الآخرين، إلا أنه يعبر عن قلقه من التسريبات التي تتحدث عن تطمينات صدرت من الجانب الأميركي المهتم بملف تطبيع السودان مع إسرائيل بحماية البعض من الملاحقة الدولية خاصة وأن موقف الولايات المتحدة من المحكمة الجنائية واضح ومعلن حسب التجارب.
ويقول الشيخ إنه إذا صحت تلك التسريبات فإن ذلك سيهدد اتفاق سلام جوبا ويجعل منه فزاعة يفر منها صانعوها لنجد أنفسنا ليس في دارفور وحدها وإنما السودان بأكمله في حريق نوعي جديد وهو ما يجب أن يتفاداه الجميع.
ويشدد الشيخ على أن دعم مطالب ضحايا دارفور هو دعم للمحكمة الجنائية الدولية وتعزيز ثقة شعوب العالم فيها كمؤسسة دولية عدلية معنية بحماية ونشر ثقافة حماية الشعوب من الانتهاكات وعدم إفلات جماعات الجريمة المنظمة من العقاب.