في مثل هذا اليوم السادس من أكتوبر عام 73 كانت مصر وقواتها المسلحة تستعد لليوم العظيم ببدء اقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف وللحق أقول أننا كنا جميعاً شعباً وجيشاً ننتظر هذا اليوم منذ 6 سنوات بعد هزيمة 67.
وفي مثل هذا اليوم السادس من أكتوبر 73 كنت أنا شخصياً في غرفة عمليات القيادة العامة للقوات المسلحة ضابط صغير برتبة رائد كنت قد تخرجت من كلية الأركان حرب قبلها بأسبوعين قبل موعدنا وذلك استعداداً لهذه الحرب وتم توزيعي الي هيئة عمليات القوات المسلحة تم تحديد عملي علي خريطة العمل في غرفة العمليات الرئيسية للحرب وفي هذه الغرفة كنا نستعد لبدء الحرب حيث بدأنا بإجراء مشروعاً تدريبياً قبلها بأيام لنتأكد من استعداد مركز العمليات لإدارة الحرب يوم السادس من أكتوبر.
ومع بدء العد التنازلي للمعركة حيث تم انتشار طائرات القوات الجوية في المطارات لتنفيذ الخطة الهجومية، أما القوات البحرية فلقد تم تمركز القطع البحرية طبقاً لمهامها وخصوصاً قطع الاسطول التي كانت مكلفة بإغلاق باب المندب حيث بدأت في التحرك من ميناء عدن في سرية تامة الي منطقة باب المندب وبدأت وحدات الكباري في تنظيم تمركزها بالقرب من قناة السويس في أماكن لا تكشف شكل العمليات الهجومية المنتظرة وكذلك بدأت قوات المشاه والمدفعية في اتخاذ أوضاع العملية الهجومية.
أما الدفاع الجوي فكان علي أهبة الاستعداد لصد أي ضربة استباقية من الجانب الإسرائيلي اذا شعر بنية القوات المصرية للهجوم لذلك كانت عيوننا جميعاً طوال فترة الاستعداد علي شبكات الرادار المصرية التي تراقب تحركات القوات الجوية الإسرائيلية التي قد تنفذ هذه الضربة الاستباقية… وكلما كانت حركة الطائرات الإسرائيلية علي شبكات الرادار المصرية هادئة كان ذلك يزيدنا الاطمئنان أن إسرائيل لم تكتشف نية الهجوم المصري وكان أكثرنا التصاقاً بتتبع شبكات الرادار المصرية العقيد مهندس/ أحمد نبيه الذي كان مسئولاً عن خطة الخداع الاستراتيجي.. حيث كان هدفه مفاجأة إسرائيل..
ولقد نجحت خطة خداع القوات الإسرائيلية من خلال عدة أخبار نشرتها وسائل الإعلام المصرية عن فتح باب العمرة للضباط وأسرهم في شهر رمضان كذلك تم نشر خبر تسريح دفعة من المجندين حيث لم يكن قد تم تسريح أي جندي منذ حرب 67 كذلك صدرت في هذا اليوم السادس من أكتوبر تعليمات إلي مجموعات سميت بمجموعة الكسل حيث تم منذ الصباح الباكر قيام مجموعات من الجنود في كل المواقع علي الخط الأمامي بفرد البطاطين وهو عمل روتيني يتم كل صباح لتستقبل البطاطين أشعة الشمس كذلك قام بعضهم بالاسترخاء والاستمتاع بأشعة الشمس وقام بعضهم بلعب الكرة كل ذلك بهدف إشعار نقاط المراقبة الإسرائيلية علي خط بارليف بأن الأمور عادية صباح يوم السادس من أكتوبر.
كما كان اختيار يوم السادس من أكتوبر العاشر من رمضان أكبر مؤشر للجانب الإسرائيلي أنه استحالة قيام المصريين بأي عمليات هجومية في شهر رمضان ذات الطبيعة الدينية لدي كل المصريين كذلك كانت من خطة الخداع للجانب الإسرائيلي قيام الرئيس السادات بإرسال أحمد حافظ إسماعيل مستشار الرئيس السادات للأمن القومي لمقابلة وزير الخارجية الأمريكي هنري كسنجر حيث عرض عليه أن مصر ترغب في حل المشكلة بالطرق الدبلوماسية خصوصاً بعد رفض السوفييت امداد مصر بالأسلحة الهجومية مما اضطر السادات لطرد الخبراء السوفييت من مصر لذلك جاء الاعتقاد لدي الجانب الإسرائيلي أن مصر ورئيسها لا يرغبوا في الدخول في حرب قادمة مع إسرائيل كذلك تم تنفيذ خطة تحريك للقوات القائمة بالهجوم للوصول الي منطقة قناة السويس دون أن يشعر الجانب الإسرائيلي بتحريك هذه القوات حيث أننا أظهرنا هذه التحركات في صورة مناورات تدريبية .. هذه الأحداث وغيرها نجحت في خداع العدو الإسرائيلي عن نية القوات المسلحة المصرية للقيام بعملية هجومية لتحرير سيناء.
وبدأنا يوم الثالث من أكتوبر نعد سجلات الحرب كما نطلق عليها حيث بدأنا في توقيع تمركزات القوات المصرية المختلفة طبقاً لخطة الهجوم، أما باقي ضباط هيئة العمليات فهذا اللواء الجمسي رئيس العمليات يتابع بكل دقة توقيتات التحرك للقوات وهذا اللواء طه المجدوب رئيس فرع التخطيط يتابع الخطة المسؤول عنها ثم الفريق الشاذلي الذي يتمتع بحركة دائمة ويحفظ عن ظهر قلب التوجيه 41 وهي خطة اقتحام المانع المائي وخط بارليف في 12 موجة..
أما المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية فكانت تصله المعلومات أولاً بأول ويبلغها للرئيس السادات بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وجاء صباح اليوم السادس من أكتوبر 73 حيث رفعنا خرائط المشروع التدريبي ووضعنا خرائط خطة الهجوم لاقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف الخطة جرانيت المعدلة وبدأنا في تلقي البلاغات عن استعداد القوات المسلحة المصرية في مختلف الاتجاهات عن استعدادها للهجوم وتوزيع توقيت العملية لعبور القناة الساعة الثانية ظهراً طبقاً للخطة المحددة وبدأت اللحظات الأولي للهجوم بعبور 220 طائرة قناة السويس لتنفيذ الضربة الجوية ضد أهداف العدو الإسرائيلي في سيناء في مركز القيادة الرئيسي له في أم مرجم وضد مرابض المدفعية والاحتياطات المختلفة وخط بارليف.
ونجحت الضربة الجوية في تدمير أهدافها حتي أنه كان مخطط لتنفيذ ضربة ثانية في حالة عدم نجاح الضربة الأولي في تحقيق مهامها لذلك لم يتم تنفيذ الضربة الثانية بعدها نزلت قوات الصاعقة البحرية لسد أنابيب النابالم الموجودة تحت نقاط خط بارليف كذلك بدأت المدفعية المصرية بضرب التمهيد النيراني بعدها انطلقت 12 موجة بقوارب المطاط من خمس فرق مشاه منفذة للتوجيه 41 لاقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف.. هذا التوجيه أعده مجموعة من الضباط بقيادة الفريق سعد الشاذلي ومع عبور موجات القوارب المطاطية تحمل 12 موجة من رجال المشاة بدأنا نتسلم بلاغات سقوط النقاط القوية من خط بارليف وصد احتياطات العدو الإسرائيلي التي قامت بالهجوم المضاد لتدميرها والتي عبرت قناة السويس..
ولقد كان من أسعد الأخبار التي تلقيتها في غرفة العمليات يوم السادس من أكتوبر 73 الساعة الثانية والربع ظهراً التقطت عناصر الاستطلاع اللاسلكي المصرية إشارة مفتوحة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية التي يأمر فيها جميع الطيارين الإسرائيليين بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كمم وهو مدي الصواريخ الدفاع الجوي المصرية أو ما اطلق عليه حائط الصواريخ… ساعتها أيقنت أن اقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف سوف ينجح لأن الذراع الطولي للجيش الإسرائيلي وهي القوات الجوية لن تتدخل في معركة العبور وبالفعل تحقق ذلك وبدأت البلاغات تتوالي باستمرار عبور موجات العبور ال12 بالقوارب المطاطية وسقوط نقاط خط بارليف وتدمير المدرعات الإسرائيلية التي تهاجم قواتنا التي عبرت قناة السويس .
ومع آخر ضوء تقدمت عربات الكباري لتلقي بالبراطيم في قناة السويس وقبلها كان أبناء المقدم باقي رزق يستخدمون خراطيم المياه لفتح الثغرات في الساتر الترابي الذي كان أهم عقبات هذه المعركة ونجحت فكرة المقدم باقي رزق رحمه الله في فتح كل الثغرات والفتحات الشاطئية وبدأت المركبات البرمائية في النزول لمياه القناة وتعبر الي الجانب الشرقي للقناة ومع سطوع القمر كانت الخمس كباري اتمت عملها وبدأ عبور الدبابات الي الضفة الشرقية للقناة ومن بعدها عبور وحدات المدفعية وعربات القيادة لمختلف المستويات قيادات الكتائب واللواءات والفرق المشاة الخمس ومع صباح السابع من أكتوبر كانت الخمس فرق مشاه بحوالي 200 ألف مقاتل متمركزين علي الضفة الشرقية للقناة ونجحت في صد وتدمير الاحتياطات المدرعة الإسرائيلية وبدأت القوات المصرية في تثبيت أوضاعها في البر الشرقي للقناة… حتي جاء اليوم الأسود في تاريخ إسرائيل يوم التاسع من أكتوبر عندما عقدت جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلي ومعها موشي ديان وزير الدفاع المؤتمر الصحفي الشهير حيث تم الإعلان عن هزيمة إسرائيل وأن الدولة الإسرائيلية تصارع الآن من أجل البقاء.
ثم بدأت الولايات المتحدة ارسال الجسر الجوي بأحدث الأسلحة المتطورة الأمريكية التي لم تكن أمريكا قد أرسلت هذه الأسلحة من قبل لأي دولة خارجية وكان أهمها الصاروخ Tow المضاد للدبابات ولتحقيق سرعة ارسال هذا الجسر الجوي قامت الولايات المتحدة بنقل هذه الأسلحة والذخائر من قواتها المتمركزة من المانيا مباشرة الي مطار العريش لسرعة وصول هذا الدعم الي الجيش الإسرائيلي في ميدان القتال وللحق أقول أن هذا الجسر الجوي قد ساعد الجيش الإسرائيلي علي الصمود أمام القوات المسلحة المصرية لذلك عندما نحتفل كل عام بالسادس من أكتوبر الذي تحقق فيه هذا النصر العظيم الذي أعاد للجيش المصري كرامته ولمصر عزتها وفخرها بين الدول نتذكر الشهداء والأبطال الذين قدموا أرواحهم لتحقيق هذا النصر العظيم الذي هو أعظم الانتصارات المصرية في العصر الحديث.