دُعيت لإلقاء محاضرة، خلال الأسبوع الماضي، في أحد وحدات القوات المسلحة المصرية، حول دوائر الأمن القومي المصري، والمتغيرات في منطقة الشرق الأوسط، والتهديدات التي تواجه مصر حالياً. وفي اليوم المحدد، رافقني واحد من ضباط الوحدة العسكرية، إلى مقر انعقاد الندوة، فانطلقنا، في الصباح، باتجاه طريق السويس الصحراوي، وكانت تلك أول رحلاتي عليه، فلم أصدق، في الحقيقة، ما رأته عيناي من هذا الطريق الجديد المكون من 9 حارات لكل جانب، خصص 3 منها، على جانبيه، كطريق خدمة، تلتزم باستخدامه عربات النقل الثقيل، وفناطيس البترول، وغيرهم من الناقلات والحافلات، بينما الست حارات الأخرى للمركبات الخاصة.
رأيت طريقاً تم تنفيذه طبقاً لأعلى المستويات، والمواصفات العالمية، من حيث علامات الإرشاد، وسدادات الأجناب، وعين القط للفصل بين حاراته، والكباري الخاصة بالدوران للخلف، فضلاً عن انسياب الطريق، وانضباط مواصفات رصفه، التي لا تخف حتى على غير المتخصصين … طريق ينطبق عليه قول “زي ما الكتاب بيقول”، والذي خرج بتلك الصورة، وفقاً لتصريحات المسؤولين، تنفيذاً لتعليمات وتوجيهات السيد الرئيس، بضرورة الالتزام بتنفيذ الطرق الجديدة على أعلى المستويات، وباستخدام أحدث الأساليب.
ووجدتني أعود بذاكرتي للوراء، حينما انتهت بعثتي في إنجلترا، وعدت بسيارتي من إنجلترا، إلى نابولي بإيطاليا، لاستقل المركب منها عائداً للإسكندرية، وخلال مبيتي في باريس، قبل أن انطلق صباحاً إلى مدينة ليون الفرنسية، ومنها إلى إيطاليا، سألت موظف الاستقبال في الفندق، عن “طريق الجنوب”، فشرح لي كيفية الوصول إليه، شارحاً لي أنه يتكون من 6 حارات، ومشدداً على ضرورة الالتزام بالحارة المخصصة للاتجاه إلى ليون، وإلا سأخسر ساعات عدة للالتفاف حول الطريق. شكرت الرجل على النصيحة، وفي الصباح بدأت التحرك إلى “طريق الجنوب”، ورأيت حاراته الست، المخصص كل منها للاتجاه لمدينة محددة، ويومها سألت نفسي إن كنت سأرى مثل ذلك الطريق في مصر يوماً. وتحققت أمنيتي، منذ أيام، وأنا على طريق السويس الصحراوي، ذو الحارات الست، في كل اتجاه، وعلى كل جانب ثلاث حارات إضافية كطريق خدمة، وليس ذلك فحسب، وإنما تم تنفيذه بمقاييس عالمية.
كنت في بداية الطريق قد استخدمت تطبيق جوجل للخرائط، فوجدت الطريق واضح على شاشة التليفون، موضحاً المسافات، والتوقيتات المحددة للوصول لوجهتنا النهائية، إلا أن الضابط المرافق لي طلب أن ننعطف يساراً إلى طريق، آخر، في اتجاه منطقة البحيرات المرة، لأجد نفسي في طريق جديد، آخر، لمسافة 60 كم، لنصل إلى منطقة البحيرات المرة، ومدينة فايد، ولما نظرت إلى تليفوني، لم أجد الطريق ظاهراً، أو متعرفاً عليه، على تطبيق جوجل للخرائط، فتعجبت لذلك، خاصة وأنه طريق رائع، وسألت الضابط المرافق عن السبب، فأجابني، مبتسماً، “أصل جوجل مش ملاحق علينا يا فندم … في مصر حجم الطرق الجديدة كل يوم كثيرة”.
تابعنا طريقنا على الطريق الذي لا يقل في جودة، تصميمه، وتنفيذه، عن طريق السويس الصحراوي، وتذكرت أيام حرب الاستنزاف، في أواخر الستينات، وأنا ضابط صغير السن، وحديث الرتبة العسكرية، أخدم في تلك المنطقة ولم يكن بها سوى “طريق المعاهدة”، بين الإسماعيلية والسويس، مروراً بفايد، وكان عبارة عن حارة واحدة في كل اتجاه، تستخدمها كافة أنواع المركبات والناقلات العملاقة، وحتى عربات الكارو.
كل هذه الطرق العرضية، الجديدة، في منطقة شرق القناة، لم تكن موجودة من قبل، ولابد من أن مؤسسة جوجل العالمية تعكف، الآن، على تحديث تطبيقها، ليواكب التغييرات المتلاحقة في شبكة الطرق والكباري الجديدة، في عموم مصر، مثل “محور 30 يونيو” الجديد، الذي يربط بين بورسعيد ودمياط من ناحية، وبين البحر الأحمر من ناحية أخرى، وهو الطريق الذي أفردت له مقالاً، في هذا المكان، منذ عدة أسابيع، تحت عنوان “ما فيهوش غلطة”، وهو طريق دولي يربط بين موانئ البحر المتوسط والبحر الأحمر، ومنها ينطلق إلى السودان، وعمق أفريقيا، ليكون شرياناً حيوياً في التجارة بين مصر وكافة الدول الأفريقية.
إن إنشاء الطرق، الجديدة، ليس هدفاً في حد ذاته، وإنشاءها بأحدث المقاييس العالمية، ليس بنداً من بنود الإنفاق غير اللازم، وإنما تكمن أهمية إنشاء هذه الطرق، والمحاور الجديدة، بالمواصفات العالمية، باعتبارها أحد محددات جذب الاستثمار، وأحد عوامل تنمية التجارة الداخلية والخارجية، ضمن استراتيجية النهوض بالاقتصاد المصري. كما أن منظومة انشاء الطرق في مصر تخدم اتجاهات أخرى، مثل منع المواطنين من التعدي على أملاك الدولة، ومثال على ذلك طريق الكورنيش، الذي تم إنشاؤه حول بحيرة المنزلة بطول 60 كم ليكون بمثابة حزام يحمي البحيرة من التعديات، وفي نفس الوقت يكون متنفساً للمواطنين في هذه المحافظات، باعتباره متنزهاً عائلياً، على هذه البحيرة، وغيرها من البحيرات الرائعة في مصر. وحالياً تعمل وزارة النقل على إنشاء طرق جديدة، وتطوير وصيانة طرق قائمة داخل المحافظات بعد سنوات طويلة من إهمالها، وخاصة في صعيد مصر
إن تطوير شبكة الطرق، والتوسع في طرق ومحاور جديدة، يعتبر أحد مفاتيح النهضة لمصرنا الحبيبة في الفترة القادمة … بس يا ريت جوجل يقدر يلاحق علينا.