في تطور مفاجئ للأزمة الليبية جاء الإعلان المتبادل لوقف إطلاق النار وسط ترحيب دولي وعربي حيث اعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في طرابلس وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد اعقبه بيان صادر من البرلمان الليبي برئاسة عقيلة صالح أكد فيه أن وقف إطلاق النار سيبدأ تنفيذه كخطوة للبدء في تحقيق السلام في كل أنحاء ليبيا بعد إخراج المرتزقة وتفكيك المليشيات وتوقف التدخل الأجنبي ولعل أهم الأحداث التي تلت إعلان وقف إطلاق النار هو ما أعلنه فايز السراج عن شكره للرئيس عبدالفتاح السيسي علي مجهوده لإحلال السلام في ليبيا ووجه في تغريده علي حسابه الرسمي علي تويتر عن شكره لمصر وكل الدول التي باركت الاتفاق كذلك أعرب المستشار عقيلة صالح عن سعادته لعملية وقف إطلاق النار في ليبيا حيث وجه رسالة للرئيس السيسي يعرب فيها عن سروره لمواقفه الشجاعة الداعمة لإحلال السلام في ليبيا كما وصفت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز أن القرارات الأخيرة لطرف النزاع في ليبيا تتصف بالشجاعة معربة عن أملها للإسراع في تطبيق توافقات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والبدء بترحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودة علي الأراضي الليبية.
وبنظرة سريعة الي نتائج عملية وقف أطلاق النار نجد أن ما حددته القيادة المصرية من أن اختراق خط سرت –الجفرة أمر لن تقبله مصر وأنه يهدد أمنها القومي قد تحقق.. من هنا يأتي السؤال لماذا هذا التوقيت بالذات الذي فيه صدر هذا القرار.. خاصة من جانب فايز السراج في طرابلس.. لذلك يمكن القول أن الضغوط الدولية بدءً من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وخاصة من المانيا التي أرسلت دعما عسكرياً لقوات التحالف في شرق المتوسط ومعها فرنسا كل ذلك أدي الي ضغوط علي فايز السراج وحكومته كذلك ما حدث من مناوشات واضطرابات داخل طرابلس بين عناصر المليشيات والمرتزقة التي لم تتسلم رواتبها منذ عدة شهور حتي وصل الي ليبيا (طرابلس) وزير الدفاع التركي ورئيس أركان القوات التركية ووزير الدفاع القطري وتمت الموافقة علي قيام قطر بدفع رواتب هذه العناصر المرتزقة كذلك حدث تذمر بين عناصر المليشيات في مدينة الزاوية الليبية كل هذه الأمور أدت الي أن تشعر حكومة الوفاق بعدم قدرة هذه العناصر علي تنفيذ أي عمليات للاستيلاء علي سرت في الفترة القادمة كذلك جاء وباء الكورونا لينتشر في طرابلس الأمر الذي أدي الي أن تتوقع حكومة السراج عقبات جديدة داخل المدينة كذلك ظهر هناك الدور الأمريكي البارز لحل هذه المشكلة حيث بذلت الولايات المتحدة جهوداً كبيرة في الفترة الماضية بالتعاون مع المخابرات العامة المصرية للوصول الي هذا الاتفاق وسوف تظهر الأيام القادمة طبيعة وشكل هذه الجهود التي بذلها الطرفان.
أما علي المستوي الإقليمي فإن تركيا تيقنت تماما أن إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن خط سرت- الجفرة هو خط أحمر لن تسمح مصر لأحد باختراقه لأنه تهديد مباشر للأمن القومي المصري هو إعلان جاد وأن الرئيس المصري يعي دائما ما يقوله وينفذه كذلك جاءت الاستعدادات العسكرية للقوات المصرية في المنطقة الغربية العسكرية شاهداً علي جدية مصر عسكرياً لتنفيذ هذا القرار حيث أكدت المعلومات الاستخباراتية للقيادة التركية التي تم تجميعها من مصادر مختلفة أن القوات المسلحة المصرية مستعدة تماما لتنفيذ أي عمليات عسكرية في هذا الاتجاه في حالة تجاوز القوات المرتزقة والمليشيات للخط الأحمر من هنا فإننا نقول ببساطة أن جهود الدبلوماسية المصرية لتحقيق هذا الإعلان عن وقف إطلاق النار في ليبيا لم يكن لينجح دون وجود قوة عسكرية تحمي وتؤمن وتدعم هذه الجهود الدبلوماسية التي بذلتها مصر خلال الفترة الماضية مع مختلف القوي والدول المعنية بالمشكلة وعلي رأسها الاتحاد الأوروبي وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية.. لذلك يأتي السؤال الهام هل جاء هذا الاتفاق لوقف إطلاق النار في ليبيا ليربك الحسابات لبعض القوي والإجابة واضحة أنها سوف تربك حسابات طرف واحد فقط هو تركيا التي كانت تأمل أن يظل التواجد التركي العسكري موجوداً من خلال المرتزقة والقواعد العسكرية التركية التي تم الاتفاق عليها في مصراته والواطية خاصة أن مصر أعلنت مباركتها لقرار وقف إطلاق النار أنها ترفض وجود أي قوات أجنبية في ليبيا علي حدودها الغربية.. من هنا نقول أن تركيا الآن تعيد حساباتها خاصة أنه مع البدء إجراءات الانتخابات الجديدة في مارس القادمة في ليبيا سوف تفرز القوي الوطنية الليبية الجديدة التي لن تسمح بوجود المرتزقة علي أراضيها كذلك لن تسمح بوجود أي قواعد عسكرية أجنبية لذلك فإن تركيا الآن تعيد حساباتها علي الوضع الجديد في ليبيا والتي أربكت حساباتها السياسية والاقتصادية والعسكرية خصوصاً بعد إعلان ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان الذي جاء بضربة قوية ضد تركيا أيضاً وأفشل ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة طرابلس الذي حصل علي شهادة الوفاه مبكراً قبل وصول السلطة الجديدة في ليبيا بعد الانتخابات القادمة لذلك فإن الفترة القادمة سوف تشهد العديد من المتغيرات خاصة من جانب تركيا التي تعاني الآن موقفاً اقتصادياً صعباً بعد الانهيار الحادة في الليرة التركية وزيادة البطالة وارتفاع الأسعار وزيادة معدل التضخم الأمور التي ستزيد ارتباك حسابات تركيا أن المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا سوف تقوم بعمل حساب مجمد لدخل البترول الليبي في الفترة القادمة وهذا سيحرم تركيا من الاستفادة من أموال النفط الليبي كما كان في عهد فايز السراج وانتظار الي اجتماع وزراء الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي يوم 27 أغسطس واحتمال توقيع عقوبات اقتصادية علي تركيا جراء القيام بعمليات التنقيب عن الغاز أمام سواحل قبرص واليونان أعضاء الاتحاد الأوروبي كل هذه الأمور سوف تؤدي الي قيام تركيا بإعادة حساباتها في الفترة القادمة حيث أن اتفاق وقف اطلاق النار قد أربك حساباتها تماماً في المنطقة.