“على مدار 170 عاما، منذ بدء أول انتخابات برلمانية المصرية في عهد الخديوي إسماعيل، في ديسمبر/ عام 1866، لاختيار أعضاء مجلس شورى النواب.
لم تبدأ جريمة الرشوة الانتخابية في مصر، بل عرفتها دول أجنبية أخرى قبل ذلك، حيث تعتبر بريطانيا أول دولة حاولت الحد من انتشار الظاهرة بسن أول قانون يجرم الرشوة الانتخابية، وتحديدا عام 1845 بعد تفشي الظاهرة لديها.
وفي مصر سن قانون مباشرة الحقوق السياسية لعام 1956، والمعدل عام 2011، والذي ينص على معاقبة مرتكب جريمة الرشوة الانتخابية بـ”الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه”، ومنح لرئيس اللجنة العليا للانتخابات الحق في حرمانه من الترشح للانتخابات النيابية لمدة خمس سنوات.
لكن القانون المصري لم يطبق يوما على مدار العقود الماضية وحتى الآن، فرغم تطور الرشاوى الانتخابية وتنوعها لم يحبس مرشح ليوم واحد بسبب تلك الجريمة.
“الطعام” صاحب كلمة السر
75 عضوا برلمانيا فقط، في أول مجلس نواب مصري، كان أغلبهم من “عمد” القرى المصرية، لذا تركزت الرشاوى الانتخابية وقتئذ على إقامة الولائم في بيت العمدة، كوسيلة من وسائل جذب الناخبين.
ومن ذلك الحين ظهر الطعام كعامل هام في الرشاوى الانتخابية، وهو ما ظهر بقوة في برلمان 2010، و2012 من قبل مرشحي التيار الإسلامي، حيث رصدت عدة منظمات مدنية لجوء جماعة الإخوان المسلمين لتوزيع الزيت والسكر على الناخبين.
فضل عدد من المرشحين، الذين يلجأون لتلك الحيل، على وصفها بالرشوة الحلال، فيما أطلق عليها عدد من خبراء السياسة “الصدقة السياسية”، استغلت خلالها القرى الفقيرة لإقامة شوادر لتوزيع منتجات غذائية، فيما فضل البعض استخدام الجمعيات الخيرية في تلك المناطق، للحصول على صوت الغلابة.
لكن مع ارتفاع الأسعار لم يعد الزيت والسكر كافيا، فظهرت اللحوم بقوة، خصوصا عقب الانتخابات التي تلت ثورة 30 يونيو، وفي الانتخابات البرلمانية التي تشهدها البلاد هذه الأيام رصدت منظمات حقوقية توزيع قوائم انتخابية كراتين غذائية ولحوم مجمدة، خصوصا في فترة عيد الأضحي الماضي.
وهو ما تكرر مع المرشح عفت السادات، عقب توزيع لحوم في عيد الأضحي، تحمل صورته في دائرته الانتخابية، لكنه أوضح أنه ليس له علاقة بتوزيع اللحوم، مرجحا أن تكون مجاملة من أحد أبناء دائرته.
وبعيدا عن اللحوم، فضل مرشح “الجمبري”، حيث تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأحد المرشحين في برلمان 2015 بمنطقة أرض اللواء، يوزع الأرز والجمبري، بالإضافة للحلو “أرز بلبن”.
البطاطين والعبايات
“البطاطين” هي أقدم رشوة انتخابية لجأ إليها المرشحون في عهد أنور السادات وحسني مبارك، خصوصا أنها كانت تمثل حاجة ملحة، خصوصا للفقراء من أبناء الصعيد، تزامنا مع إجراء عدة انتخابات في فصل الشتاء، ليتطور الأمر بعدها لتوزيع ملابس العيد.
استغلال الأزمات
كانت أبرز الرشاوى الانتخابية المبتكرة في عهد مبارك، ما قام به المرشح الأبرز في هذا التوقيت ، حينما وزّع في برلمان 2010 أكياس الأسمدة الكيميائية على المزارعين في مدينة السادات التابعة لمحافظة المنوفيةتزامنا مع أزمة الأسمدة.
فيما فضل مرشحو التيار الإسلامي استغلال أزمة انابيب البوتجاز وتوزيعها مجانا لأهالي الدوائر الانتخابية، وفي بعض الأحيان كان يتم توصيلها “ديلفيري” لبيت الناخب.
المال يكسب
في زمن الحزب الوطني كان “المال” أبرز الوسائل لتسويد البطاقات، والذي ظهر جليا في برلمان 2010، الذي صدر بحقه من محاكم القضاء الإداري قرارات ببطلانه، لما شابه من عمليات تسويد للبطاقات، وشراء للصوت الانتخابي.
بدأ ثمن الصوت الانتخابي بخمسين جنيها أو أقل، ليصل في برلمان 2015 إلى 2000، وهو أكبر مبلغ رصده مركز الحريات والحصانات بالمنيا.
وكان مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية رصد أن إجمالي الإنفاق على الانتخابات البرلمانية من قبل المرشحين في الدعاية بمصر يتراوح ما بين 7 و10 مليارات جنيه، وهو أضعاف ما سمحت به اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية التي حددت مبالغ مالية للدعاية الانتخابية 7.5 ملايين جنيه للقائمة الانتخابية التي تضم 45 مرشحا، و2.5 مليون جنيه للقائمة التي تضم 15 فردا، و500 ألف جنيه لمرشحي الفردي.
برلمان 2015
في برلمان 2010 كان أغرب رشوة انتخابية، هي طن حديد قدمه أحد الأحزاب المصرية في الشرقية لبناء مسجد بأحدى القرى.
وفي 2015، ابتكر المرشحون وسائل مختلفة، فلجأ حزب النور في الإسكندرية إلى الإعلان عن توزيع دواء “السوفالدي” لعلاج فيروس سي بالمجان.
بينما رصد أحد المراكز الحقوقية قيام مرشح عن دائرة مركزي بني مزار ومطاي، برصف طريق على نفقته الخاصة، فيما فضل آخرون توزيع كروت شحن للتليفونات المحمولة
وتوزيع كريم وزيوت للشعر للسيدات،
وهكذا … سنجد الرشاوي علي كل الالوان والأشكال