كتب / محمد مختار
أثارت تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، التي لوح فيها بالتدخل العسكري في ليبيا، قبل عدة أيام الكثير من ردود الفعل والجدل في الأوساط السياسية والشعبية في مصر، خاصة أنها تأتي في ظل تفاقم أزمة سد النهضة الإثيوبي والإعلان عن فشل جولة المفاوضات الأخيرة التي اختتمت أعمالها في 18 يونيو/حزيران الجاري بين مصر والسودان وإثيوبيا.
الأمر الذي اضطر مصر إلى اللجوء لمجلس الأمن الدولي، بسبب ما وصفته تعنتاً من الجانب الإثيوبي، وأعرب البعض عن تخوفه من أن يتسبب تركيز مصر على الملف الليبي في تشتيت الجهود المصرية، خاصة إذا اضطرت مصر للتدخل العسكري المباشر في ليبيا.
ويرى المراقبون أن قضية سد النهضة الإثيوبي يجب أن تكون هي الأولوية حالياً، لأنها مسألة حياة أو موت بالنسبة للشعب المصري، فيما رأى الفريق الآخر أن الملف الليبي يمثل أهمية كبيرة أيضاً للأمن القومي المصري.
كل ذلك طرح تساؤلات عديدة حول قدرة مصر على إدارة أزمتين استراتيجيتين في وقت واحد، وحول سيناريوهات التحرك الدبلوماسي والعسكري المصري تجاه إثيوبيا في الجنوب، وليبيا على الحدود الغربية، وهل بإمكان مصر التدخل العسكري في ليبيا من خلال قواتها البرية أم سيقتصر الأمر على تقديم مزيد من الدعم للجيش الوطني الليبي.
وحول أزمة سد النهضة تساءل مراقبون، هل لدى مصر النية للقيام بعمل عسكري في حال إصرار الجانب الإثيوبي على موقفه “المتعنت” تجاهها، وهل بإمكان الجيش المصري توجيه ضربة عسكرية للسد الإثيوبي؟
وهل ستوجه هذه الضربة من داخل القواعد العسكرية المصرية أم أن الأمر يتطلب استخدام أو تأسيس قاعدة عسكرية بإحدى الدول المجاورة لإثيوبيا، نظراً لبعد المسافة النسبي بين مصر وإثيوبيا.
قال مصدر دبلوماسي مصري قريب من الرئاسة لـ عربي بوست، إن الأحداث المتسارعة في الأزمتين الليبية وسد النهضة الإثيوبي، هي التي فرضت نفسها، لافتاً إلى أن مصر لم يكن من المنطقي أن تتجاهل ما يجري في ليبيا.
خاصة عقب تراجع ما سماه المصدر “الجيش الوطني الليبي” المدعوم من مصر في أكثر من موقع، لصالح قوات حكومة الوفاق التي وصفها بـ”الميليشيات”.
وأضاف:” ذلك بالتوازي مع ما أبدته الحكومة الإثيوبية من تعنت ومماطلة في مفاوضات سد النهضة، والتحرك المصري تجاه ليبيا لا يعني تراخياً في أزمة سد النهضة، باعتباره الأولوية للأمن القومي المصري، ولا تناقض في ذلك أو تشتيت للجهود المصرية”.
وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن الأزمة الليبية فرضت نفسها وأصبحت لها أولوية التحرك في الوقت الراهن لدى صانع القرار المصري، في ظل الإخفاقات المتتالية لقوات خليفة حفتر، ولم يكن من المقبول الانتظار حتى تستولي قوات الوفاق على شرق ليبيا، ما يمثل تهديداً للحدود المصرية الغربية.
وحول حدود التدخل العسكري المصري في ليبيا، أكد المصدر أن الحكومة المصرية لا ترغب في شن حرب مباشرة أو غير مباشرة في ليبيا، وإنما تسعى إلى وقف القتال ووقف تقدم قوات الوفاق أكثر من ذلك، ولن تلجأ لأية تحركات عسكرية إلا إذا اضطرت لذلك، مستبعداً تماماً أن يكون هناك نية لأي تدخل عسكري بري مصري في ليبيا.
وفيما يتعلق بأزمة سد النهضة أكد المصدر، أن مصر لا تفضل الخيار العسكري لحل أزمة سد النهضة، وأن كل مواقفها تؤكد أنها تنحاز بشكل كامل إلى الحلول السياسية والدبلوماسية عبر التفاوض مع الجانب الإثيوبي، وأن لجوء مصر إلى مجلس الأمن الدولي أتى لوقف التعنت الإثيوبي.
مشيراً إلى تحرك دبلوماسي مصري غير معلن باتجاه الدول الفاعلة في أزمة السد، مثل الصين التي تقوم بإنشاء السد، ودفعها للضغط على الجانب الإثيوبي، من أجل تأجيل موعد بدء ملء خزان السد، والعودة لطاولة المفاوضات من جديد.
وشدد المصدر على أن مصر لن تلجأ للخيار العسكري إلا في حالة فشل كل الجهود الدبلوماسية، فالدولة المصرية مستعدة لكافة الخيارات وتمتلك من القدرات العسكرية الضخمة ما يؤهلها لحماية حدودها ومواردها ومصالحها المختلفة، بما فيها السعي لامتلاك قاعدة عسكرية خارج حدودها.
وقال المصدر: “مصر قادرة على توجيه ضربة عسكرية سواء من أراضيها أو من خلال إنشاء قاعدة في دولة مجاورة لإثيوبيا إذا استشعرت أن توجيه الضربة من أراضيها غير مناسب عسكرياً لبعد المسافة، لكنها تفضل الحل الدبلوماسي”.
من جهته اعتبر الخبير العسكري اللواء طلعت مسلم، أن دخول مصر في صراع عسكري فى اتجاهين متوازيين فى ليبيا وإثيوبيا، خيار غير مفضل، خاصة أن إدارة مصر في عقد الستينيات لمواجهتين عسكريتين في وقت واحد في اليمن وتجاه إسرائيل، كان خياراً غير ناجح.
لافتاً إلى أن أي مسؤول مصري لن ياتورط في صراع في اتجاهين في نفس الوقت، وأن الإدارة المصرية تعمل على تجنب ذلك بكل الطرق، إلا إذا اضطرت لذلك ولم يكن هناك خيار آخر.
وأوضح مسلم، أن مقارنة بسيطة بين أزمتي سد النهضة والأوضاع في ليبيا، تؤكد أن قضية سد النهضة أخطر بكثير على الأمن القومي المصري من الصراع في ليبيا، ولكن قضية سد النهضة.
وأنها مازالت تتطلب الكثير من الوقت في اتجاه الحلول الدبلوماسية والسياسية، كما أن العلاقات بين مصر والسودان لم تصل بعد لأن يكون هناك موقف موحد بين الجانبين تجاه سد النهضة، ونحتاج إلى مزيد من التقارب والتنسيق المشترك حتى يكون التحرك المصري السوداني أكثر فاعلية إذا لم يكن هناك خيار إلا التدخل العسكري.
وأيد مسلم أن يكون لمصر قاعدة عسكرية قريبة من الحدود مع إثيوبيا للانطلاق منها وتنفيذ المهام المطلوبة، وأن الصراع لو طال مع إثيوبيا فإن الأمر يتطلب وجود قاعدة عسكرية قريبة كي تكون الضربات أكثر فاعلية.
كما استبعد العميد صفوت الزيات، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن تكون هناك نية مصرية لأن تخوض مواجهة عسكرية في كل من ليبيا وسد النهضة في ذات الوقت.
وقال الزيات: من الرشادة الاستراتيجية أن لا تقوم دولة بفتح مسرحين للعمليات العسكرية في آن واحد، وحتى القوى الكبرى تتجنب ذلك بقدر المستطاع، مشيراً إلى أن مصر لها تجربة سابقة حينما خاضت مواجهتين عسكريتين مباشرتين في فترة الستينيات، إحداهما في اليمن، والأخرى في مواجهة إسرائيل، وكانت النتيجة ما يعرف بنكسة عام 1967.
وحول أولويات السياسة الخارجية المصرية في الفترة الراهنة، اعتبر الزيات، أن سد النهضة الإثيوبي هو أكبر تحد للأمن القومي وللدولة المصرية، مشيراً إلى أنه فيما يخص الملف الإثيوبي، فإن كل الخيارات يجب أن تكون مفتوحة، وألا يتم استبعاد أي خيار في كافة الملفات، بما فيها الخيار العسكري، وألا تسعى مصر لتدمير السد بشكل كامل وإنما يكفي تعطيله عن العمل.
وفيما يتعلق بالمسار السياسي قرر مجلس الأمن الدولي، الذي تترأس فرنسا دورته الحالية، مساء الخميس الماضي، تحديد جلسة مفتوحة، الإثنين المقبل، لمناقشة أزمة سد النهضة، وذلك استجابة للطلب المقدم من مصر فى 19 يونيو/حزيران الجاري.
حيث قامت الدبلوماسية المصرية بتحركات مكثفة داخل أروقة المجلس خلال الأيام الماضية، على عدة مستويات لشرح موقفها بشأن أزمة سد النهضة مع الدول الأعضاء، وأكدت مدى خطورة التحرك الإثيوبي الأحادي لبدء ملء خزان السد، على الأمن والسلم الدوليين.