الأصل عند جماعة الإخوان هو التنظيم وليس الوطن ، التنظيم هو كل شئ ، وقبل كل شئ ، ويأتي الوطن في مرحلة متأخرة من استراتيجية الجماعة .
قيمة ٣٠ /٦ لم تكن في سقوط حكم المرشد ، لكن كسر التنظيم و سقوط هيبة ٩٢ سنة بالضربة القاضية ، فالتنظيم يترنح ولا يقوى على الوقوإلا بمعجزة ، فهو أصبح على حلبة الملاكمة السياسية بعيداً عن حبالها ، حتى يستطيع أن يتماسك ولو لفترة ، يعيد فيها ترميم صفوفه من جديد ، حتى ولو بدأ من الصفر .
انزوى التنظيم و ابتعد عن الساحة السياسية ، واختفى عن الأنظار ، وصَدّر الوهم والخداع بأنه أصبح يعاني من التقسيم والصراعات ، ليعطي صورة على خلاف الحقيقة بأن سقوط التنظيم نهائياً مسألة وقت ، حتى يتفرغ لرأب الصدع الذي أصابه في ثوابته ، ويعيد ترتيب صفوفه من جديد .
كانت الفترة من ٢٠١٤ حتى الآن ، هي مرحلة إعادة بناء هيكل الجماعة من جديد تنظيميا وتربوياً ، فقامت بإدخال المفاهيم الجهادية صراحة في المناهج التربوية مثل كتاب ” فقة المقاومة الشعبية ” والذي يتحدث عن شرعية قتل ضباط الشرطة والجيش ، بل دخل على الهيكل التنظيمي الجناح العسكري ( التنظيم الخاص ) ، وجميعنا شاهدنا حركة حسم ، وحركة لواء الثورة قبل اندماجها في حركة واحدة ” حسم ” .
كل هذا يتم دون مشاركة في أي فاعليات تخص حركة العمل العام الجماهيرية .
خلال تلك الفترة خرجت علينا دعاوى المصالحة ، مصالحة الدولة مع الجماعة ، وهي دعاوى على خلاف الحقيقة في خيال التنظيم ، والإدعاء بأن الجماعة ترفض المصالحةإلا بشروطها ، ولم تكن تلك الدعاوي المفتعلة سوى رسائل طمأنة لعناصر التنظيم داخل السجون أو الهاربين منهم خارج البلاد ، بأن التنظيم مازال من القوة في فرض شروطه على الدولة التي تسعى لفتح صفحة جديدة معه ( خيال القائمين على التنظيم ) .
في الفترة من ٢٠١٤ وحتى ٢٠١٦ تصاعد الإرهاب في مصر بشكل عنيف ، وظهرت العديد من الأجنحة العسكرية من تحت جناح التنظيم الأم للإخوان ، تحمل أسماء مختلفة ولكنها متفقة في الهدف ، منها حركة حسم ، لواء الثورة ، كتائب حلوان …. الخ ، هذا بالإضافة للجناح العسكري متعدد الجنسيات في سيناء تحت مسمى ” أنصار بيت المقدس ” والذي بايع تنظيم داعش فيما بعد ، وأصبحت سيناء بعد المبايعة ولاية من ولايات دولة الخلافة المزعومة داعش قبل سقوطها .
كانت المواجهة عنيفة والشهداء كثيرين ، حتى تمكنت الأجهزة الأمنية من فرض سيطرتها على الأرض بشكل فعال .
أستغلت الجماعة معركة الدولة مع الإرهاب في أن تعيد ترميم التنظيم وإعادة بناءه من جديد ، دون الظهور على الساحة ، والاستمرار في تصدير صورة الانقسامات في صفوفه ، وتسويق ما يتردد إعلامياً على خلاف الحقيقة ، بأن الجماعة سقطت بلا رجعة .
الحقيقة أن الكثيرين في المجتمع لديهم قناعة بأن الجماعة انتهت بعد ثورة ٣٠/ ٦ وما استتبعها من إجراءات قوية استهدفت قيادات وكوادر الصف الأول والثاني من التنظيم وأصبحوا إما في السجون ، أو هاربين خارج البلاد .
اليوم وبعد اكتمال المشهد من وجهة نظري ، أرى إننا أمام مرحلة جديدة للتنظيم في مواجهة الدولة المصرية ، باستراتيجية جديدة قائمة على تدوير عمل الجماعة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ، بما يسمح لها لعب كل الأدوار وفقا لما تتطلبه أجندة أجهزة المخابرات العالمية على الساحة الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، بمعني؛حركة التنظيم في ليبيا تختلف عن حركته في تونس أو الأردن أو المغرب ، ومن المؤكد أن الحال في مصر سيختلف بالطبع باعتبارها دولة المنشأ ( منذ عام ١٩٢٨ ، أي ٩٢ سنة ، عمر التنظيم ) ، وأنها من أسقطت مشروعها الراديكالي ، وأن مشروعها ومصالحها الحالية تتفق مع مشروع تركيا وقطر تجاه الوطن .