متابعة /أيمن بحر اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني تطورات متسارعة فى الغرب الليبى. وحكومة السراج التى تخالف البرلمان وتساندها تركيا تعلن سيطرتها على ترهونة آخر معلق لقوات الجيش الليبى الحر بقيادة الجنرال حفتر. ولا يمكن أن يتحقق ذلك الا بميليشيات قدمتها تركيا الى السراج. مدينة ترهونة لها خصوصية عسكرية وجغرافية تقع جنوب شرق العاصمة طرابلس كان بها غرفة عمليات الجيش الليبى. يصفها الخبراء العسكريون بميزان المعارك. مدينة ذات طابع قبلى بها نحو ثلاثة وستون قبيلة. لكن ليس هذا إنتصار كامل للميليشيات الإرهابية. وعاد الجيش للسيطرة على مدينة الأصابعة. والجيش الليبى يسيطر على 90% من الأراضى الليبية. التدخل العسكرى التركى غير موازين القوة على الأرض. والولايات المتحدة تحدثت بأسلوب مشوب بالأريحية للحد من التدخل الروسى. السراج يحقق إنتصار مدفوع الأجر ويستند الى ثلاثة عشر الف إرهابى مسلح من المرتزقة. سبق للسراج التوجه الى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا لمساعدته عسكريا لكن وجدضآلته فى تركيا. إنه يستبعد الحل الدبلوماسى والتفاوضى. حرب الوكالة تشتعل على الأراضى الليبية. بعد المساندات التركية للسراج تم إستعادة مدينة ترهونة. إستخدمت تركيا طائرات إف 16 أمريكية الصنع. يوحى ذلك بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية على إستخدام هذا السلاح. وقد شكك السفير الأمريكى فى ليبيا ريتشارد نورلاند بنوايا موسكو من إرسال طائرات حربية الى ليبيا. دائماً الإنتصار العسكرى مرحلى فى معركة وليس فى حرب. والإتحاد الأفريقى له دور فعال فى مستقبل الأسلوب التفاوضى الدبلوماسى. هل تفعلها ألمانيا وترسل جنودها الى ليبيا؟. هل هى فكرة جيدة أن يشارك جنود لالمان فى مهمة محتملة للأمم المتحدة فى لبيبا؟ نوربرت روتغن أحد المرشحين لرئاسة الحزب المسيحى الديمقراطى حزب ميركل، يدعم هذه الفكرة. لكنه يبدو وكأنه يغرد خارج السرب. يرى نوربرت روتغن وزير البيئة الألمانى الأسبق وخبير السياسة الخارجية للحزب المسيحى الديمقراطى المنتمية اليه المستشارة أنغيلا ميركل، أن المانيا غالباً ما تتساهل حيال المناطق الملتهبة فى أنحاء كثيرة من العالم وأنها تسعد بالإعتماد على دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا عندما يتعلق الأمر بمشاركة عسكرية خارجية محتملة للجيش الألمانى. وفيما يتعلق بالشأن الليبى يقترح روتغن، أحد المرشحين لرئاسة الحزب المسيحى الديمقراطى، حزب المستشارة أنغيلا ميركل أن عملية يقودها القبعات الزرق (جنود أمميون) تحت علم الأمم المتحدة أو الإتحاد الأوروبى من شأنها إخماد الحرب الأهلية فى ليبيا. ليس هذا فحسب، بل يطالب بأن يكون الجيش الألمانى مستعداً للمشاركة فى مثل هذه المهمة. ويضيف روتغن وهو رئيس لجنة الشئون الخارجية في البرلمان الألمانى بوندستاغ أن قوات حفظ السلام قد تؤسس لـمنطقة منزوعة السلاح بين المناطق التى تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطنى فى غرب ليبيا وبين مناطق قوات الجنرال خليفة حفتر فى الشرق. ويوضح قائلاً: “الأشهر الماضية أظهرت أن الدبلوماسية وحدها دون مكونات سلام عسكرية لن تستطيع إنهاء المعارك فى ليبيا.يبدو أن كلام روتغن هذا يخالف توجهات وزير الخارجية الالمانى هايكو ماس المنتمى للحزب الإشتراكى الديمقراطى، والذى يؤكد دوماً على دور الدبلوماسية فى إنهاء المعارك بليبيا وكانت الحكومة الألمانية قد نظمت فى يناير/ كانون الثانى من هذا العام الحالى بالعاصمة برلين مؤتمراً حول المسألة الليبية حاز بإهتمام كبير من وسائل الإعلام. فبجانب وفود أطراف النزاع شارك فى المؤتمر أيضاً وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو والرئيس الروسى فلاديمير بوتين بالإضافة الى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان. فى ختام المؤتمر أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن تعهد الأطراف المشاركة بالإلتزام بالقرار الأممى حول حظر تصدير الأسلحة الى ليبيا وبإنهاء تقديم الدعم العسكرى لأطراف النزاع. وبالرغم من ذلك لم تخف حدة المعارك منذ ذلك الوقت. وبقى الوضع على ما هو عليه لأن مقاتلى طرفى النزاع مازالوا يحصلون على شحنات أسلحة من دول مختلفة. ومن جهته يرى أوميد نوريبور، خبير شئون السياسة الخارجية بالكتلة البرلمانية لحزب الخضر المعارض أن أخذ المانيا بزمام المبادرة فيما يتعلق بالصراع الليبى فكرة جيدة. لكنه ينتقد مساندة الأوروبيين لأطراف النزاع المختلفة. ويقول نوريبور فى تصريحات لدويتشه فيله (DW) إذا لم يتفق الأوروبيون على الجهة التى يدعمونها أى إذا ظل الإيطاليون مثلاً يدعمون حكومة السراج بينما تتحالف فرنسا ضد هذه الحكومة يطرح السؤال نفسه: مع من سيقف الجنود الأوروبيون إذاً فى ليبيا؟ هل سيقفون ضد بعضهم البعض؟”. ويخشى نوريبور من عدم التوصل الى إجماع سياسى داخل الإتحاد الأوروبى يسمح بمناقشة هذه الأسئلة المفتوحة. وجاء موقف الحزب الإشتراكى الديمقراطى، الشريك فى الإئتلاف الحاكم فى برلين مشابهاً لموقف حزب الخضر المعارض. ففى مقابلة مع دويتشه فيله (DW) قال رولف موتسينيش رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الإشتراكى: لقد تحول الصراع الداخلى حول السلطة فى ليبيا بسرعة كبيرة الى حرب إقليمية بالوكالة بمشاركة مقاتلين أجانب بما فى ذلك قوات روسية وتركية. وإستبعد موتسينيش التوصل الى إتفاق سلام راسخ بوساطة الأمم المتحدة قائلاً: “إن علينا بذل كل الجهد من أجل دعم جهود الوساطة التى يقوم بها وزير الخارجية الألمانى وحظر شحنات السلاح الى ليبيا وبشكل عام يأتى إقتراح روتغن فى وقت يصعب فيه السماح بالموافقة على مشاركة الجيش الألمانى فى عمليات خارجية أكثر من أى وقت مضى. فالحزب الإشتراكى الديمقراطى تحت قيادته الجديدة المتمثلة فى نوربرت فالتر-بوريانز وساسكيا إيسك، يتجه نحو اليسار، كما يعد رئيس الكتلة البرلمانية للحزب رولف موتسينيش أيضاً من معارضى مشاركة الجيش الألمانى فى عمليات خارجية. أما رئيس الحزب الديمقراطى الحر (الليبرالى) المعارض كريستيان ليندنر فيقول فى حوار مع دويتشه فيله أيضاً: “تحقيق الإستقرار فى ليبيا يجب أن يكون من مهام الإتحاد الأوروبى، ولذلك يتعين مناقشة هذا الأمر فى السياق الأوروبى. الحديث عن الجيش الألمانى في هذا السياق يبالغ من إمكانياتنا السياسية وقدرات قواتنا المسلحة. ولكن هل تأتى مطالبة روتغن بالتدخل الخارجى فى الوقت الحالى فى إطار منافسته على رئاسة الحزب المسيحى الديمقراطى وعدم حصوله على إهتمام إعلامى؟ التوقعات تشير الى أن فرص نجاحه فى إنتخابات رئاسة الحزب فى ديسمبر/كانون الأول المقبل ضئيلة للغاية. ويقول روتغن الآن عن خطته لليبيا: بعد الجهود الدبلوماسية لألمانيا فى هذه الأزمة لن يكون من المقبول أن نقدم مجرد إقتراحات نقوم بعدها بالإنسحاب دون التنفيذ.غير أن هذا ينطبق على كثير من الصراعات فى مناطق ملتهبة من العالم. ففى الوقت الحالى يشارك الجيش الألمانى بعدد 3500 جندى وجندية فى 13 مهمة خارجية. بيد أن هذه المهام تقابل بتشكك من الألمان كما تظهر جميع إستطلاعات الرأى. فى المقابل بات من الواضح لجميع الأطراف أن الأزمة الليبية لن يتغير فيها شئ دون تدخل خارجى. فمنذ سقوط معمر القذافى فى 2011 يتزايد سقوط ليبيا فى الفوضى، وتتقاتل أعداد كبيرة من الميليشيات على السلطة والنفوذ فى الدولة الواقعة بشمال القارة الأفريقية. ولا يبدو أى سلام فى الأفق.