في الطريق شاهدت صبي صغير ، يعلو صوته على رجل في الأربعينات تقريباً ، قد يكون في منزلة والده أو أخوه الكبير ، لم أهتم بمعرفة السبب ، فالأمر لا يشغلني ، وسرحت و أنا في السيارة مع نفسي ، على الزمن الذي تربيت فيه ، وكيف كان احترام الكبير من ثوابت التربية ، أياً كان الكبير، فقد يكون عابر سبيل ولكنه شاهد تصرف خطأ من صبي فقام بلومه أو تعنيفه ، ولا يجرؤ الصبي على الرد أو رفع صوته ، كان للكبير سلطة في تهذيب سلوك أي مواطن يخطيء في حق مجتمعه ، وعندما كان يستقل أتوبيس مزدحم ويقف أمام مقعد ، على الفور يقف صاحب المقعد ليقدم الكبير لكي يجلس ، هذا الأمر كان يطبق أيضا على المرأة أيا كانت ( فتاة / شابة / سيدة / مسنة ) ، لا يُقبل بأن تقف في وسيلة مواصلات .
نحن نعرف الفترة دي بالزمن الجميل ، وهو ما يعني أن احترام الكبير والمرأة شئ جميل ، وهو اعتراف بأن الأدب قيمة ، وللي احنا بنسميها في مناطقنا الشعبية ” رجولة ” وأنا بيحضرني كلمة متداولة بين شباب المناطق الشعبية إن ( الصياعة أدب ) ، والأدب فضلوه عن العلم ، الكلام ده معناه إيه في الزمن الجميل ، معناه إن ثقافة جيل الزمن الجميل قائمة على فقه الأدب .
طيب إيه اللي حصل في المجتمع ، ومين الناس دي ، دي ناس مش شبهنا ولا أخلاقنا ولا سلوكنا ولا تربيتنا ، دي ناس لا تمثلنا ، ولكنها موجودة و فرضت نفسها ، تعالى قارن بين سائق التاكسي زمان وسواق الميكروباص النهاردة .
طيب إيه اللي حصل في المجتمع ، والناس دي خرجت علينا ازاي وكانت مستخبية فين ؟ .
الناس دي أنا مسميها ” المصريين الجدد ” ودي شريحة اترمت نبتتها من منتصف السبعينات وهي نتاج أمرين :
الأول سياسة الانفتاح الاقتصادي، منتصف السبعينات التي عملت خلل في الموازين الطبقية للمجتمع المصري ، وأصبح اللي كان فوق بقى تحت ، واللي كان تحت بقى فوق ، وظهرت شريحة اجتماعية جديدة وخطيرة على المجتمع المصري وهي شريحة الطفيلية ، وهم شريحة ليس لها جذور أصولية ، هذه الشريحة أصبحت تملك المال وتتحكم فيه اجتماعيا،وقد استطاعت السينما المصرية أن تعبر عن تلك الحقبة الزمنية في العديد من أعمالها ، أتذكر منها فيلم (انتبهوا أيها السادة ) بطولة محمود ياسين وحسين فهمي ، وكان الفيلم تعبير حقيقي عن واقع المجتمع المصري ، في تجسيد الصراع بين محمود ياسين ( تاجر الزبالة ) وحسين فهمي ( استاذ الجامعة ) ، بين الجهل والعلم ، بين من بيده المال ومن بيده المستقبل ، بين طبقة الطفيلية والطبقة المتوسطة الأصيلة .
الثاني : الغزو الفكري الوهابي الذي غزا مصر في نهاية السبعينيات عام ١٩٧٩ تقريباً ، سافر الكثير من الشباب إلى دول الخليج وعادوا إلى البلاد بالغطرة والجلباب واللحية والسواك والنقاب ، و بدأت تنتشر أفكار التطرف والتشدد داخل المجتمع بصورة كبيرة وخطيرة ، وظهر في المجتمع شريحة جديدة غريبة على المجتمع المصري ، ولكنها استطاعت أن تؤثر فيه بشكل قوي ، أطلق عليهم ( السلفيين ) .
لا أريد أن أطيل فالجعبة فيها الكثير ، لكن يمكن القول إنه في خلال الأربعين عاما الماضية من ١٩٨٠ وحتى ٢٠٢٠ دخل المجتمع المصري شريحتين هما من يمثلان ما يعرف ” بالمصريين الجدد ” شريحة الطفيليين وشريحة السلفيين ، وعليك أن تضم عليهم شريحة الإخوان ، وتتخيل حال الواقع الذي نعيشه .
علشان كده أنا بقول أنا شايف ناس مش شبهنا ولا تربيتنا ولا أخلاقنا ، لأننا جيل بنحترم الكبير