متابعة /أيمن بحر اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني . على أوروبا أن تحسن مركزها فى عصر الرقمنة. فى مؤتمر ديجيتل لايف ديزاين بميونيخ يبحث ممثلوا قطاع الأعمال والإعلام والسياسيون عن الإجابات مطالب التغيير حتى لايصبحوا مستعمرة للصين أو أمريكا. لذلك يطالبون بخطة رقمية واحدة لأوروبا إذا قرر موقع جوجل إيقاف بثه لأوروبا. ويوجد مجموعة سويفت النظام العالمى الذى تتعامل به أغلب بنوك العالم وهو إختصار تعنى جمعية الإتصالات العالمية بين البنوك. مقرها ببلجيكا بدأت عام 1979 وتسرى عليها قوانين الإتحاد الأوروبى يوفر التحويلات المالية وتوفير عنصر الأمان بأقل تكلفة. فرصة تاريخية لليورو الى جانب الدولار واليوان. يبدو الإتحاد الأوروبى ضائعاً فى تحديد مكانته بين بكين وواشنطن، غير أن كلام المستشارة ميركل حول مستقبل العلاقة مع واشنطن تشير الى تحول فى الدور العالمى للإتحاد. فهل يبدأ ذلك بجعل اليورو عملة عالمية تقارع الدولار واليوان؟. نادرا ما تلفت تصريحات المستشارة الألمانية ميركل التى تتسم بالضبابية والعمومية والتحفظ حتى فى الرد على إهانات وإتهامات كتلك التى يوجهها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أو التركى رجب طيب أردوغان. غير أن قولها مؤخراً: قد نضطر الى التفكير بشكل أساسى فى علاقاتنا مع الولايات المتحدة” كان مفاجئاً كونه يخرج عن تصريحاتها المألوفة والمملة. حديث ميركل هذا جاء فى مقابلة مع زود دويتشته تسايتونغ ووسائل إعلامية أخرى فى 26 حزيران/ يونيو 2020 قالت فيه أيضا تعقيباً على قرار الرئيس ترامب سحب آلاف الجنود الأمريكان التابعين لقوات الناتو من المانيا الى بولندا: (…) إذا أرادت الولايات المتحدة اليوم وقف دورها كقوة عالمية، فعلينا أن نفكر جيدا فى علاقاتنا معها وفى سياق متصل أضافت بأن على أوروبا أن تلعب دوراً أكبر من الدور الذى لعبته فى الحرب الباردة على مختلف الصعد. وفى إشارة الى الصين قالت المستشارة أمام المجلس الإتحادى الألمانى فى وقت لاحق أن على الإتحاد الأوروبى التحدث بصوت واحد مع الصين إذا أراد التوصل الى إتفاقات تضمن مصالحه معهاحديث ميركل هذا يمكن تأويلة بأن صبر أوروبا يكاد ينفد لاسيما من سياسات إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إزاء المانيا وأوروبا والتى تجاوزت العقوبات الإقتصادية الى الشأن الأمنى والعسكرى. وهو فى نفس الوقت إشارة الى الصين بأن الإتحاد الأوروبى سيصر فى أية مفاوضات معها على ضمان مصالحه من خلال تحقيق مطالب عدة من أبرزها مزيد من الإنفتاح فى السوق الصينية على الشركات الأوروبية. ومن التبعات المرجحة لذلك أن الإتحاد وبدعم المانى أقوى من ذى قبل يريد لعب دور إقتصادى عالمى أقوى إزاء القطبين الكبيرين اللذين يتنازعان على النفوذ الذى همينت عليه واشنطن عالمياً منذ إنهيار المعسكر الشيوعى سابقاً. ويدل على الدعم الألمانى المذكور السخاء غير المألوف الذى أبدته المستشارة ميركل وحكومتها فى موضوع التضامن المالى الأوروبى لتجاوز تبعات أزمة كورونا، والذى تمثل فى مبادرات عدة آخرها المبادرة الفرنسية- الألمانية بقيمة 750 مليار دولار لمساعدة الدول المتضررة وفى مقدمتها إيطاليا وفرنسا. كما يدل عليه إدراج موضوع أى مستقبل ينتظر الإتحاد الأوروبى؟ على قائمة الاجندة الألمانية خلال تولى ميركل رئاسة الإتحاد الأوروبى فى النصف الثانى من العام الجارى 2020. وإذا ما تجاوزنا الغوص فى تفاصيل التغيرات السياسية المطلوبة لضمان هذا المستقبل، فإن الدعم المالى الألمانى المتزايد لأوروبا يشكل دعامة أساسية فى الطريق الى صعود أوروبا كقطب إقتصادى عالمى لا يقل قوة عن الولايات المتحدة والصين. ويزيد من أهمية هذا الصعود عوامل من أبرزها تراجع الدور الأمريكى وفشله على أكثر من صعيد وخاصة فى إدارة أزمة جائحة كورونا مؤخراً. كما تزداد أهميته على ضوء تزايد حدة النزاع التجارى الأمريكى الصينى وعشرات العراقيل التى وضعتها إدارة ترامب أمام الصادرات الأوروبية. ومما لا شك فيه أن أى صعود أوروبى الى القطبية يتطلب تعزيز موقع اليورو فى المبادلات التجارية العالمية الى جانب الدولار، الذى ما يزال يسيطر على هذه المبادلات رغم مرور عقدين على التعامل بالعملة الأوروبية التى تشكل 20 بالماائة من العملات الإحتياطية على مستوى العالم. ومن المفارقة أن هذا الدور المتواضع يقابلة ناتج محلى إجمالى أوروبى يقارب مثيله الأمريكى بحدود 20 تريليون دولار عام 2018. عندما إنسحب ترامب من الإتفاق النووى الإيرانى بشكل منفرد أنشأت المانيا وفرنسا وبريطانيا آلية جديدة أطلقت عليها انستكس للتعامل التجارى مع إيران خارج منظومة التحويلات المالية العالمية الحالية التى تهيمن عليها واشنطن. غير أن هذه الآلية لم تعمل بشكل فعال لضعف الجدية فى وضع مقومات نجاحها من جهة، وعدم تبنيها من جميع دول الإتحاد الأوروبى من جهة أخرى.الآن ومع ضرورة تعزيز موقع اليورو يمكن لبرلين خلال رئاستها للإتحاد الأوربى أن تلعب دوراً أساسياً فى تعديل هذه الآلية وتعزيزها وإعتماد اليورو وسيلة لها بهدف ضمان مصالح أوروبا التجارية بشكل أقوى على المستوى العالمى. ويزيد من أهمية ذلك ضرورة تحقيق مزيد من الإستقلالية عن الدور الأمريكى الذى يصبح الإعتماد عليه أصعب من يوم لآخر. ومن شأن ذلك أن يصعد باليورو الى مرتبة عملة تحويل عالمية الى جانب الدولار واليوان الصينى الذى بدأت بكين بطرحه كعملة بديلة فى علاقاتها الثنائية مع دول كثيرة كروسيا وإيران. كما طرحته الى جانب الدولار كعملة لتداول عقود النفط من خلال بورصة عالمية فى شنغهاى إعتباراً من أوائل عام 2019. ومما يعنيه هذا الصعود تدفق مزيد من الإستثمارات الى أوروبا وتعزيز العلاقات التجارية معها بشكل يعوضها عن تراجع محتمل فى علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة وبريطانيا لاسيما بعد خروج الأخيرة من الإتحاد الأوروبى. وفى الحقيقة توفر الظروف الحالية الصعبة على الجميع فرصة تاريخية لليورو ينبغى عدم تضييعها، لاسيما وأن عشرات الدول ومن بينها الدول المغاربية ترحب بهذه الخطوة من زاوية أن علاقاتها التجارية مع دول الإتحاد الأوربى هى الأقوى مقارنة بعلاقاتها مع الدول الأخرى. قد يقول معلق أو خبير أن قدرة المانيا على تعزيز دور اليورو ومعه الإتحاد الأوروبى على الصعيد العالمى محدودة بسبب البيروقراطية التى تحكم عمل المؤسسات الأوروبية وآلية الإجماع فى إتخاذ القرار. ومما يعنيه ذلك أن دولاً إعتادت على التغريد خارج السرب مثل هنغاريا أو بولندا يمكنه عرقلة وتعطيل مشاريع القرارات الجديدة كما كانت تفعل بريطانيا من قبل مدفوعة بحكم علاقاتها المتميزة مع واشنطن. وهو دور يبدو أن بولندا ذاهبة الى لعبه على ضوء النفوذ الأمريكى المتزايد هناك. غير أن قوة هذه العراقيل لا تنفى قدرة المانيا على تجاوزها ودفع القاطرة الأوروبية بحكم الثقل المالى الألمانى الأقوى فى الصناديق والمشاريع والموازنات الأوروبية. وهو الأمر الذى يساعدها على تمرير قرارات لا تتعارض مع مصالح الإتحاد ككل كتلك التى تعزز موقع اليورو فى التجارة العالمية. ومن جهة أخرى، فإن حكومة التحالف الكبير التى تتزعمها المستشارة ميركل أظهرت قدرة نادرة وناجحة على إدارة الأزمات بطريقة تقوم على التوافق بين المصالح والحلول الوسط على الصعيدين الألمانى والأوروبى. وهو الأمر الذى يعكسه نجاحها أكثر من أية دولة أوروبية أخرى فى مواجهة التبعات الإقتصادية لجائحة كورونا، وقبل ذلك نجاحها فى إدارة تبعات الأزمة المالية العالمية.