إحدى أبرز المشكلات التى تواجه صانع قرار تقسيم الدوائر الانتخابية هى حال التوزيع السكانى فى مصر، فمصر يقطن نحو 90% من سكانها فيما لا يزيد على 10% من مساحتها. وكانت تلك المشكلة كفيلة بأن يضع الشارع القانونى نظامًا انتخابيًا لا يثير الالتباس كنظام القوائم المطلقة، على الالتباس الواقع أصلا على الأرض نتيجة التوزيع السكانى.
فنظام القوائم المطلقة هو واحد من أبرز ما يفضى لمشكلات لا حصر لها فى توزيع الدوائر، خاصة لو اختلط هذا النظام بنظام فردى كما كان الأمر معمولًا به فى انتخابات 2015/2016، وهو على ما يبدو ما يخطط له فى انتخابات البرلمان 2020، التى ستجرى بعد أشهر قليلة.
هناك ستة معايير علمية اتفق عليها فى تقسيم الدوائر
الأول: الحياد، بمعنى أن الطرف القائم بتقسيم الدوائر الانتخابية لا يكون صاحب مصلحة.
الثانى: الشفافية، بمعنى إجراء التقسيم بعد اتخاذ رأى القوى السياسية فى المجتمع.
الثالث: المساواة، وتعنى عدالة التمثيل، أى أن تكون لأصوات الناخبين أوزان متساوية فى الدوائر المختلفة. الرابع: شمولية التمثيل، وتعنى عدم قيام تقسيم إحدى المناطق التى تقطنها جماعة أو عشيرة أو قبيلة بين دائرتين انتخابيتين.
الخامس: استقرار الجداول الانتخابية، بمعنى عدم تغيير حدود الدوائر كل انتخاب.
السادس: اتساع الدائرة حسب النظام الانتخابى، ففى الفردى الدوائر ضيقة وتسع لنائب أو اثنين على الأكثر. وفى القوائم تكون الدائرة أكثر شمولًا وتحتمل الكثير من المرشحين.
تقريبًا كافة تلك المعايير أطيح بها أو ببعضها فى الانتخابات التى جرت فى مصر خلال العقود الثلاثة الماضية، فكان التقسيم انحيازيًا على طول الخط.
ففى النظام المعيب المأخوذ به فى الانتخابات الماضية، وهو نظام القائمة المطلقة، نظام تزوير إرادة الناخبين بالجملة، كان التشويه قد نتج عما يلى:
اتساع حجم الدائرة الانتخابية بشكل جعل المرشحين عاجزين عن أن يجوبوها. فهذه دائرة تبدأ من الجيزة وتنتهى جنوبًا فى أسوان، وتمتد شرقًا من البحر الأحمر وحتى حدود مصر الغربية غربًا، بمساحة تعادل أكثر من 60% من مساحة مصر. هذا الأمر لم يختلف كثيرًا عن الدوائر الثلاث الأخرى.
تباين وزن الصوت فى النظام الفردى مقارنة بنظام القوائم. ففى الدوائر الأربع التى لا تقدر سوى القطارات على أن تجوبها، كان وزن المقعد فى دائرة الصعيد (دائرة الجنوب) المشار إليها آنفًا، نحو 425 ألف ناخب،
وفى الدائرة التى ضمت القاهرة وبعض محافظات الوجه البحرى (دائرة الشمال) كان 461 ألفا، وفى دائرة القناة وسيناء (دائرة الشرق) 437 ألفا، وفى دائرة الإسكندرية والبحيرة ومطروح (دائرة الغرب) 474 ألفا. إذا ما قارنا ذلك بوزن المقعد فى النظام الفردى فسنجده إجمالًا فائزا واحدا أو مقعدا واحدا يمثل 128 ألف ناخب. وهو بذلك يشكل نحو الثلث نظير الفائز على مقعد القائمة المطلقة.
خلاصة القول أن القائمة المطلقة، خاصة مع وجود نظام فردى، هى أكثر النظم عبئًا وتشويهًا وعدم عدالة فى تقسيم الدوائر الانتخابية.