هاني توفيق
الجميع هنا مصاب بأمراض لها علاقة بالجهاز التنفسي، بداية من حساسية الصدر ومرورًا بأمراض الكبد والفشل الكلوي.. كلما اقتربنا قليلًا من محيط المنطقة الموبوءة بالأتربة التى تنتج عن المصانع، كلما تزايد عدد المصابين بالأمراض التى تصل إلى سرطانات الرئة، الناتجة عن استنشاقهم لغبار الباى باص، المتصاعد من مصنع الإسمنت طوال الأعوام الماضية، التى سبقت استخدام الفحم، وكان يستخدم الغاز الطبيعى والمازوت، ولكن مع مرور الوقت اعتقد الأهالى أنهم فى الطريق لـ «شم نفسهم»، إلا أن هذا لم يحدث، بل ظهر قرار استخدام الفحم كوقود لتشغيل المصنع، وهو الأمر الذى نتج عنه حالة من الخوف والذعر بين الأهالى الذين يعانون بالفعل من أمراض فى الجهاز التنفسي. ورغم التحذيرات الطبية والبيئية من أتربة مصانع الإسمنت، والناتجة عن حرق الوقود، غير أن الأمر انتهى بإصدار العديد من القرارات على الورق.. لتظل معاناة المواطنين من الأمراض.
تعيش الحاجة أمينة محمود، فى منطقة كفرالعلو ، ولم تكن تدرى أنها فى تلك المنطقة ستكون فريسة لمرض تنفسى بسيط، تحول وتعمق بمرور الوقت إلى مرض مزمن يلازمها، وتتلقى على إثره العلاج بصورة يومية، الحاجة أمينة لم تكن الوحيدة التى أصيبت بالمرض، بل هى واحدة ضمن حالات مرضية تنتشر فى هذا المربع السكنى الذى يقطنه مئات المواطنين من شتى الأعمار.
تشتهر منطقة كفرالعلو والعربان ، والمعروفة عند الأهالى بـ«بمنطقة الأحياء الأموات » نظرا لوجود تسممات في الهواء بسبب مصنع أسمنت حلوان حيث يقع مصنع حلوان لصناعة الإسمنت بمحيط تلك المنطقة، وسط المناطق السكنية المأهولة بالمواطنين والعمال داخل المصنع. تقول الحاجة أمينة محمود، إنها تعيش فى منطقة كفرالعلو منذ ما يصل إلى ٤٠ عامًا، وأصيبت بالعديد من الأمراض المرتبطة بالتنفس، وكان أول ما أصيبت به الربو، وتطور الأمر بعد ذلك ليصل إلى إصابتها بمرض القلب هذا بجانب أمراض الضغط والسكر، الذى يلازمها كنتيجة التأثير الذى تتركه بداخلها الانبعاثات الدخانية التى تتعرض لها بصورة دائمة، والتى ساءت بعد إدخال واستخدام الفحم فى المصنع، حيث تخرج الأتربة بصورة يومية.. «ياما اشتكينا.. وياما ناس جت ومعملتش حاجة لينا»، هكذا قالت الحاجة أمينة، مؤكدة على أن الوضع بالنسبة لهم أصبح معتادًا وتأقلموا عليه، وهو ما جعلهم يدركون حقيقة واحدة، وهى أن تلك الأدخنة ستظل تلازمهم طوال حياتهم، طالما لم يتحرك أحد حتى الوقت الحالى منذ إنشاء المصنع خلال فترة السبعينيات.
تلوث مستديم
«اتولدت على هذا الحال على مدار العمر» هكذا أضاف عمرو خميس، صاحب مطعم، وقال، إن المنطقة عبارة عن وباء يصيب الكبير قبل الصغير، وهو أمر يظهر بصورة كبيرة بين كبار السن فى المنطقة، لافتًا إلى أن المنطقة ظهر بها خلال الفترة الأخيرة الكثير من المرضى بالسرطانات، وهو ما تعرضت له حماته، التى أصيبت بالسرطان، إضافة إلى ازدياد حالات الفشل الكلوى بصورة كبيرة، خاصة فى المناطق المتاخمة والقريبة جدًا للمصنع.
وأضاف: الأطفال دائمًا الضحية، نظرًا لأنهم يولدون فى مناخ غير صحى وغير صالح بيئيًا، متابعًا أن لديه ٣ أبناء صغار لا يتجاوز عمر أكبرهم ١٣ عامًا، وجميعهم مصاب بمشاكل فى الصدر، حيث يعانون من الكحة طوال الوقت خلال فصلى الصيف والشتاء بسبب تعرضهم لتلك الأدخنة، قائلًا «لا يوجد أى خطوات إيجابية.. بيسكنونا بس بموضوع تركيب فلاتر»، ورغم هذا لم يحدث شيء، ورغم أننا طرقنا باب المسئولين لأكثر من مرة.
وتابع أغلب من يعيش هنا فى مربع «كفرالعلو » من المواطنين «أزرقية» بما فى هذا الفئات منطقة عرب ابو دحروج والجزيره وعرب البراوي والمنشيه ، مؤكدًا أن المنطقة تستوعب فئات من الطبقات الاجتماعية المحدودة والمتوسطة التى لا تستطيع الانتقال إلى منطقة أخرى.
اللون الأسود
ليس حال الحاجة أصيلة بالأفضل، فهى تعانى مشكلة أخرى بسبب أدخنة الفحم التى تنبعث من مصنع الإسمنت، وتقول الحاجة أصيلة «أم إبراهيم»، إنها تعيش فى المنطقة منذ نعومة أظافرها، وحياتهم المتمثلة فى المعاناة اليومية المتكررة روتين وواقع يومى لا يتغير.
تضيف كلما استيقظ من النوم أجد النوافذ والشبابيك وقد تجمعت عليها الأبخرة، وحولتها إلى اللون الأسود والرمادي، وأجد الأتربة تحيط بالمنزل من كل جانب، مشيرة إلى أن تلك الأتربة تسببت فى مشاكل مزمنة أصيبت بها فى الصدر، تمثلت فى حساسية الصدر المزمنة، التى مازالت تتلقى العلاج منها بصورة مستمرة.
وتابعت: لا يقتصر الأمر عليها فحسب، وإنما على ابنها وبنتها أم سيد، التى أصيبت وتضاعفت الحالة بصورة كبيرة، فكلما تتحرك أو تبذل نشاطا حتى تجد صعوبة فى التنفس، وهو الأمر الذى تطور لديها بصورة كبيرة مؤخرًا، فأصبحت لا تستطيع التنفس، جراء تلك المشكلة، مؤكدة أن الكثير من الأهالى هنا اضطروا إلى الرحيل عن المنطقة والانتقال إلى منطقة سكنية أخرى بسبب تلك الأتربة المنتشرة من مصنع أسمنت حلوان.
مناشدات.. بلا إستجابات
«إذا دورت فى منطقة كفرالعلو وضواحيها هتلاقى ٢٠٠ بنى آدم عنده سرطانات» هكذا يضيف حمادة عبدالوهاب، تاجر، مضيفًا أنهم منذ عهد الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك وهم يناشدون المسئولين بالاهتمام بالمشاكل الصحية التى يتعرضون لها، ولسان حال الجهات المسئولة دائمًا هو نعم وحاضر، ولا يوجد رد فعل على أرض الواقع. ويضيف زوجة والدى أصيبت بسرطان الصدر، وتم استئصال صدرها الأيسر بسبب التعرض للهواء المستمر، وما زال الأمر معلقا من المسئولين رغم تضررنا من الأمر، مبينًا أن العمل فى مصانع الفحم يكون خلال فترة الليل، وهى الفترة التى يمتلئ خلالها الهواء بالأدخنة، ويصل إلى المنازل على مسافات كبيرة.