رغم معايشتى لملف المياه على مدار أكثر من 25عاما “محررا ومندوبا لجريدة الأهرام المسائى ووكالة رويترز وعددا من الصحف الخاصة بوزارة الرى ,ثم مستشارا صحفيا لوزراء رى سابقين ..إلا أننى ترددت كثيرا الدخول فى معترك الكتابة عن أزمة سد النهضة الأثيوبى “سد النكبة “, ,خاصة فى ظل حالة “اللا معقولية “والسيولة المنتشرة على مواقع التواصل الإجتماعى والتى تعدت فى غوغائيتها وخفتها وطرافتها اجتماع “المهرجين الإخوان ” المباشر برئاسة محمد مرسى ,والذى كان علامة فارقة فى مسار تنفيذ سد “النكبة ” والتعنت التفاوضى الأثيوبى الذى يتشابه لدرجة التطابق مع التعنت الإسرائيلى فى القضية العربية المصيرية المعروفة بـ”القضية الفلسطينية!!”.
وللحقيقة فإن هناك علماء وباحثين وزملاء أجلاء لم يبخلوا بنشر المعلومة الصحيحة والحقيقة المثبتة على صفحاتهم التى تحولت لمنبر يزوره كل مهتم بهذا الملف الشائك ,والإهتداء إلى رأيهم المحترم فى مسارالتفاوض الذى مات “اكلينيكيا”لإنعدام الإرادة الأثيوبية فى اتمام أى اتفاق يحفظ لشعبى” المصب” نصيبهما من المياه التى تحييهما وتؤمنهما من جوع وعطش .
وإيمانا بدورى الإعلامي استسمحكم فى الإنضمام -فى أخر الصف – إلى هؤلاء ,متناولا بعض ما أعرفه عن هذا الملف الخطير الذى لا يخالجنى أى شك فى انه سينتهى– بإذن الله – لصالح الإرادة المصرية التى طالما تعمل للحفاظ على حقوق شعبها العادلة والمنصفة,ولجميع شعوب أعضاء دول حوض النيل .
ولكيلا نطيل الحديث في المبهم لابد من الإشارة إلى لب الصراع الأثيوبى للإستحواذ على المياه فى المنابع ,واستخدام المياه سلاحا إرهابيا فتاكا تحاربنا به ..نذكر أولا عدة حقائق حتى نفهم ما يجرى :
1- السيطرة على منابع النيل وحرمان مصر من المياه كان ومازال هدفا أثيوبيا,بالتعاون مع القوى الأوربية المعادية ,فقبل 700عام , اتفق ملك الحبشة “جيلاوديووس” مع القائد البرتغالى “بوكيرك” لتحويل مجرى النهر ليحرم مصر من المياه , بعدها اتفق ملك فرنسا لويس الرابع عشر مع ملك الحبشة ياسو فى عام 1705،على تحويل مجرى النيل الأزرق إلى البحر الأحمر لقطع المياه عن مصر.
وآخر المحاولات كانت على يد الامبراطور الإثيوبى تيودور الذى هدد بتحويل مجرى النيل حتى يجعله صوب البحر الأحمر,ومن بعده محاولة الجنرال الإيطالى بييترو بادوليو فى تحويل مياه النيل الأزرق إلى البحر الأحمر ومنعها من الوصول إلى مصر
2- تاريخيا ..الأصول الإثيوبية المتمثلة في مملكة “أكسوم” كانت في صراع دائم مع الممالك العربية والإسلامية ,ودائما ما كانت أثيوبيا تصور نفسها على أنها الجزيرة المسيحية المرتفعة الواقع حولها المسلمين وانهم يريدون التخلص منها,وأصلت هذه المزاعم فى نفوس الأحباش لتكريس الكراهية ضد كل ماهو عربى إسلامى .
3- الرغبة التوسعية لمصر فى العهد الملكى على حساب الجوار،حيث قاد الخديوى إسماعيل جيش مصر لغزوأثيوبيا ,ولكنه لقى هزيمة فى معركتى “جوندت” ,1875 و”جورا ” 1876. “
4- التركيبة الداخلية للقبائل والتعددية الأثنية داخل إثيوبيا منذ زمن طويل تدفع نحو الإلهاء بالعداء مع الخارج لتوحيد الصف الداخلى ولمكاسب سلطوية بالأساس.
5- عداء ميليس زيناوي رئيس الوزراء الأثيوبى الأسبق الشديد لمصر,وفى المقابل تقربه المشهود من العدو الأزلي للعرب والمصريين “إسرائيل “, جعله يصورلشعبه مشروع “سد النهضة ” مسألة ” حياه أو موت”, وهو ما جعل هذا المشروع عند الأثيوبيين مشروعا يفوق في قوميته السد العالي وقت بنائه .
6- الأنظمة السياسية المتعاقبة في أثيوبيا ومصر تسببت في زيادة الاحتقان على المستوى الرسمي وغير الرسمي بدءا من عبد الناصر وهيلاسياسى ومرورا بالسادات ومحاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا وانتهاء بـ”اجتماع الفضيحة الإخوانى” فى عهد محمد مرسى ,والإعلان عن ضرب أثيوبيا .
7- دعم مصر لإريتريا في حربها نحو الانفصال عن إثيوبيا ,والاعتقاد المزعوم من أديس أبابا بوجود دور للمخابرات المصرية في زعزعة الاستقرار الداخلى بها و دعم القوميات الانفصالية والحركات المسلحة ترك رواسب سلبية عن النظام المصرى فى أذهان الأثيوبيين .
8- الدعم اللامحدود من دول غربية كارهة وعربية حليفة لمصرفى العلن,لتمويل السد ودعم الموقف الأثيوبى المتشدد ,ويكفى الإشارة إلى اكثر من مليارى دولار تمويلا عربيا لإنجاز السد ,وجعل مصر فى عوز عربى دائم وفى مكافحة إرهاب مائى وفكرى ودينى وعسكرى !!