متابعة عادل شلبى من المقرر، أن تصل إلى ميناء الإسكندرية، خلال أيام، الغواصة البحرية الثالثة، ضمن صفقة الغواصات التي وقعتها مصر، مع ألمانيا، لشراء أربع غواصات من طراز 209، وهي أحدث الغواصات، التقليدية، في الترسانات العالمية … وعندما أقول “التقليدية”، فأعني بذلك التسليح والوقود التقليدي، عكس أنواع أخرى من الغواصات، التي تسلح نووياً، وتعمل بالوقود النووي. وعندما أقول “الأحدث” في الترسانات العالمية، فأشير إلى الخصائص التقنية، من حيث المدى، والقدرة على الغطس، وإطلاق الصواريخ من تحت سطح الماء، وغيرها من الإمكانات الفنية، العالية، التي تتمتع بها تلك الغواصات، الأربع، ليتمتع أسطولنا البحري بأحدث ما أنتجته الترسانة البحرية في العالم، حالياً.
لقد تسلم الطاقم البحري، المصري، من الضباط، والصف، والجنود، الغواصة في ألمانيا، أولاً، حيث تم تنفيذ التدريبات العملية، عليها، قبل الإبحار بها، لاستكمال باقي التدريبات العلمية، والعملية، تحت إشراف الجانب الألماني، والجانب المصري، صاحب الخبرة، في استلام الغواصات المصرية، السابقة، للتأكد من تمام استيعاب الطاقم المصري لجميع خصائص، وإمكانات هذه الغواصة، واستعدادهم للاستفادة من أنشطتها. فور الانتهاء من تلك المرحلة، الهامة، أبحرت الغواصة، الجديدة، بطاقمها المصري، من ألمانيا، في اتجاه مصر، لاستكمال تدريبات الطاقم المصري، خلال المناطق البحرية المختلفة، ذات الخصائص المتباينة، فسلكت بحر الشمال، إلى بحر المانش، ثم إلى مضيق جبل طارق، ومنه إلى البحر الأبيض المتوسط، تمهيداً لوصولها إلى ميناء الإسكندرية، لينضم للقوات المسلحة المصرية، قوة قتالية، جديدة، تضاف للقوات البحرية.
قد يمر هذا الخبر على بعض القراء، دون التدقيق فيه، ففكرت أن أوضح للقارئ، العزيز، أسباب شراء مصر لأربع غواصات، متطورة، لتعزيز قواتها البحرية، بالتزامن مع رفع كفاءة قواتها المسلحة، بصفة عامة، بضم حاملات الطائرات المروحية “الميسترال”، والفرقاطات الجديدة، وطائرات “الرافال” المقاتلة، وهو ما يعود، ببساطة، لوجود أربع اتجاهات استراتيجية، لمصر، لم يحدث، منذ عهد الهكسوس، أن تعرضت إلى تهديدات من خلالهم، جميعاً، في وقت واحد، مثلما يحدث هذه الأيام. كان الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي، ويقصد به “اتجاه سيناء”، هو، دائماً، معبر الغزوات، إلى مصر، منذ غزوات الهكسوس، في عهد الفراعنة، أما الاتجاهات الاستراتيجية الأخرى، فيقصد بها الاتجاه الاستراتيجي الغربي من ناحية ليبيا، والاتجاه الاستراتيجي الجنوبي من ناحية السودان ومنابع النيل والبحر الأحمر، وأخيراً، الاتجاه الاستراتيجي الشمالي من البحر الأبيض المتوسط.
وفجأة توترت الأوضاع في المنطقة، بدءاً من استيلاء الحوثيين على اليمن، ومحاولات السيطرة على مضيق باب المندب، بوابة مرور البترول من الخليج العربي إلى أوروبا، من خلال قناة السويس، فصار التهديد، الحالي، لباب المندب، تهديداً لسلامة الملاحة في قناة السويس، ومن ثم المنطقة الاستثمارية. ولا ننسى أن الرئيس البشير قام، منذ سنتين، بتسليم الأتراك “جزيرة سواكن”، السودانية، بزعم ترميم الآثار العثمانية، ليجد الرئيس التركي، لنفسه، موضع قدم، يحقق أغراضه بالتأثير على الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما تداركه النظام الجديد، في السودان، باستعادة استلام الجزيرة. وعليه، فقد كان لابد من تواجد بحري، دائم، في منطقة البحر الأحمر، لتأمينه، ومضيق باب المندب، ولتحقيق التوازن العسكري، اللازم، افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ عدة أشهر، قاعدة برنيس العسكرية، لتشمل قاعدة بحرية، وجوية، وبرية، لتأمين هذا الاتجاه الاستراتيجي، وتم إنشاء الأسطول البحري الجنوبي، المقرر تمركزه في قاعدة برنيس، لتأمين الملاحة في البحر الأحمر، وباب المندب، وتأمين عمل قناة السويس، التي تمثل ثلث الدخل القومي المصري.
أما الاتجاه الاستراتيجي الشمالي، والمقصود به البحر الأبيض المتوسط، فلم يشكل، يوماً، تهديداً، طوال تاريخ مصر، قديماً وحديثاً، إلى أن بدأ العالم، منذ خمس سنوات، في التعرف على مصطلح “شرق البحر المتوسط”، ذلك المصطلح الجيوسياسي، الذي يشير إلى المنطقة المقابلة للسواحل المصرية والليبية والفلسطينية والإسرائيلية واللبنانية والسورية، واحتوائها على خزان عملاق للغاز الطبيعي، والبترول، فبدأت أنظار العالم تتجه إلى هذه المنطقة. إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، كان قد نجح، قبلها، في ترسيم الحدود البحرية لمصر، في هذه المنطقة، الأمر الذي سمح للشركات العالمية، بالبحث، والتنقيب، عن الغاز الطبيعي، وبالفعل، ظهرت البشاير بحقل غاز “ظهر”، المسجل كأكبر حقل غاز في المنطقة، وتوالى اكتشاف حقول مصرية جديدة، داخل حدودها البحرية، وصلت، حالياً، إلى ٦٤ حقل، تقريباً.
وفي نفس الوقت ظهرت حقول غاز أمام سواحل إسرائيل، وحقل غاز أمام غزة، وحقول أمام لبنان، وسوريا، وحقل أفروديت بقبرص، فأصبحت المنطقة مطمعاً للجميع. كانت تركيا من ضمن الطامعين، فتحايلت إدارتها لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، بهدف الاستيلاء على أي حصة من ثروات من الغاز الطبيعي، في المنطقة، كما قامت إسرائيل بالاستيلاء على غاز بلوك رقم ٩، داخل المياه الاقتصادية اللبنانية، ووجدت لبنان نفسها عاجزة عن الدفاع عن حقوقها الاقتصادية. أما في الحالة المصرية، فقد استبق المفكر الاستراتيجي، تلك التهديدات، قبل بدايتها، بتكوين الأسطول البحري الشمالي، في البحر الأبيض المتوسط، لتأمين حقول الغاز المصرية في المنطقة، تطبيقاً لأحد أهم مبادئ الأمن القومي، الذي ينص على الدول المالكة لثروات، سواء طبيعية أو صناعية، يجب أن تمتلك القوة العسكرية، اللازمة، لحماية هذه الثروات.
يعتبر ما تقدم، إجابة، مبسطة، للأسباب الاستراتيجية من شراء تلك الغواصات الأربعة، وباقي الأسلحة والمعدات العسكرية، لتكون رسالة ردع، واضحة، للطامعين، وليطمئن الشعب المصري على أن القيادة السياسية تتمتع بفكر استراتيجي، عمل، مسبقاً، على تواجد هذا الحجم العسكري لتأمين الملاحة في البحر الأحمر من أجل قناة السويس، وفي البحر الأبيض المتوسط لتأمين استثماراته، وحماية مقدرات شعبه … فشاركوني الترحيب بوصول الغواصة الثالثة إلى مصر.