متابعة / محمد مختار
عبد الناصر يجتمع برؤساء التحرير وينتقد صحافة الإثارة: «بلدنا مش فلانة اللى اتطلقت وفلانة اللى اتجوزت وفلانة بتجرى وراء فلان وسابت علان»
كانت الساعة السابعة مساء، حينما بدأ الاجتماع بين الرئيس جمال عبد الناصر، ورؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف المصرية، فى «قصر القبة»، وفيما هو شائع أن الاجتماع كان يوم «28 مايو 1960»، فإن الكاتب الصحفى حلمى سلام الذى كان مشاركا فيه كرئيس تحرير لمجلة الإذاعة، يذكر فى شهادته للكاتب الصحفى رشاد كامل فى كتابه «الصحافة والثورة، ذكريات لا مذكرات» أن الاجتماع كان يوم الأحد 29 مايو، مثل هذا اليوم، عام 1960.
كانت قضية الاجتماع الرئيسية الإجابة على سؤال: «كيف تستطيع الصحافة أن تبنى المجتمع؟»، واكتسب الاجتماع أهميته لأنه جاء بعد أربعة أيام من قانون «إعادة تنظيم الصحافة» حسب تسميته الرسمية، أو «تأميم الصحافة» حسب شهرته السياسية والتاريخية، ففى يوم 24 مايو صدر قانون رقم 156 لسنة 1960 بانتقال ملكية الصحف إلى «الاتحاد القومى» بوصفه التنظيم السياسى القائم، وتضمن القانون اشتراط الحصول على ترخيص من «الاتحاد القومى» لإصدار الصحف والحصول على ترخيص من الاتحاد للعمل بالصحافة، وطبقا لذلك انتقلت مؤسسات، الأهرام، الأخبار، روز اليوسف، دار الهلال، دار التحرير، دار المعارف وغيرها إلى ملكية الدولة.
يكشف «سلام» وقائع هذا الاجتماع، وحسبما يذكر رشاد كامل، فإنه أحضر دوسيها يحوى أوراقا عديدة مكتوبة بخط يده، كانت النص الكامل لما دار فى الاجتماع الذى استغرق ساعتين ونصف الساعة، وقال إن الذين حضروه، على صبرى وكمال الدين حسين، وعبد القادر حاتم، وصلاح سالم، ومن الصحفيين، فكرى أباظة، محمد التابعى، إحسان عبد القدوس، فتحى غانم، يوسف السباعى، كامل الشناوى، مصطفى أمين، على أمين، محمد حسنين هيكل، ويتذكر: «بعد قام المصورون الصحفيون بالتقاط الصور الصحفية، طلب منهم عبد الناصر سرعة الانتهاء من التصوير حتى يبدأ حديثه، وبعد خروج المصورين بدأ عبد الناصر الحديث للحاضرين».
يذكر «سلام»، أن عبد الناصر قال: «عاوز أتكلم بكل صراحة علشان تعرفوا وجهة نظرى، وأريدكم أيضا أن تتكلموا بكل أن تتكلموا بكل صراحة كى أعرف وجهة نظركم، وأنا باعتبر أن الصحافة يجب أن تكون رسالة أكثر منها سلعة أو تجارة، لأنها إذا أصبحت سلعة أو تجارة ستسير فى الطريق الذى تسير فيه التجارة فى أى مجتمع من المجتمعات.. إن الأمر المهم فى رأيى أن نحدد طريقنا، أن نسأل أنفسنا، إيه هدفنا، إيه المجتمع اللى عاوزين نعيش فيه.. المجتمع الذى نريد أن نبنيه.. هذا المجتمع بالقطع مش مجتمع القاهرة، ولا النادى الأهلى، ولا نادى الزمالك، ولا نادى الجزيرة، ولا السهرات بتاع بالليل، أبدا مش هو ده المجتمع اللى احنا عاوزينه.
إذا أردنا أن تكون عندنا فعلا صحافة، يجب أن تكون فى خدمة مجتمعها الأصيل الطبيعى اللى احنا جينا منه، واللى جاء منه كل واحد فينا، هو ده المجتمع الأصلى، ومش الذين تكتبون عنه فى سهرات الهيلتون، السهر بالليل يمكن يكون لطيفا، والحكايات وسيرة الناس مسلية، وكل واحد فى حياته العادية، ولكن هل ده دور الصحافة؟»..يؤكد سلام، أن عبد الناصر ذكر بالتحديد اسم المرحوم كامل الشناوى
تذكر الدكتورة ليلى عبد المجيد فى كتابها «حرية الصحافة فى مصر بين التشريع والتطبيق»، أن عبدالناصر أضاف: «مش هى دى بلدنا بأى حال من الأحوال، بلدنا هى كفر البطيخ.. القرية أى قرية هى دى نموذج بلدنا، وهناك مشاكل بلدنا الحقيقية.. اللى عاوز يكتب عن بلدنا يروح هناك، ويشوف الناس اللى لابسين برانيط قش، ويشيلوا الأرز طول النهار لكى يعيشوا.. ودى بلدنا ما هياش أبدا فلانة اطلقت أو اتجوزت، أو فلانة طلعت تجرى ورا فلان وسابت علان، أبدا أنا كنت أفضل بدل الكلام عن هذا النوع من السيدات، أن نكتب عن العاملات مثل فيه عاملات طلعوا عيشهم بعرق جبينهم ويكافحوا بشجاعة وشرف».
يواصل سلام حديثه إلى رشاد كامل، قائلا، إنه تصور بعد ذكر عبد الناصر لاسم كامل الشناوى أنه سيختفى إلى الأبد من اللائحة الصحفية، وكانت المفاجأة عندما ظهرت التشكيلات الصحفية بعد صدور قانون تنظيم الصحافة، تعيين كامل الشناوى عضوا فى مجلس إدارة التحرير التى تصدر جريدة الجمهورية جريدة عبد الناصر.
فى النهاية لابد ان نتعلم من كل هذا ان بلادنا ليس القاهرة او البندر كما يقال من زمن ولكن بلادنا فى الارياف والصعيد