تحتفل مصر، بذكرى أغلى الانتصارات، التي حققها شعب مصر، وجيشها العظيم، في العصر الحديث … هذا الانتصار الذي ظهرت بداياته منذ أن رفض الشعب المصري هزيمة يونيو 67، حتى تكللت جهوده باستعادة أرض سيناء، من خلال حرب العزة والشرف، في السادس من أكتوبر 73، العاشر من رمضان 1393، وما تلاها من معارك سياسية في كامب ديفيد، لاستكمال تحرير سيناء ببنود هذه المعاهدة، بعد احتلال دام 15 عام، واستكمال المعركة دبلوماسياً، حتى رفع العلم على مدينة طابا، بالتحكيم الدولي، في 15 مارس 1989. واليوم ونحن نحتفل بهذه الذكرى العظيمة، ذكرى تحرير سيناء، أردت أن نتخيل معاً … ماذا لو؟؟
ماذا لو لم تشن قواتنا حرب 73، العاشر من رمضان … الإجابة واضحة، لكانت سيناء لازالت في يد الإسرائيليين، كما هو الحال في الجولات السورية، والضفة الغربية، التي صارت، في يومنا هذا، جزءاً من إسرائيل. ولم نكن لنعيد فتح قناة السويس، التي تمثل ثلث الدخل القومي المصري، ولم تكن مدن شرم الشيخ، وطابا، ودهب، قد عادت إلينا، لتظل في يد الإسرائيليين، ينعمون في خيراتها، ويحصون من ورائها عوائد مالية طائلة، ولبقت بحيرة البردويل ف يد إسرائيل، لتستغلها عاماً بعد عام، دون أن تستفيد مصر منها بسمكة واحدة للاستهلاك أو للتصدير، ولكانت حقول البترول، في البحر الأحمر، وسيناء، لاتزال في يد العدو الإسرائيلي، حتى اليوم، تستغلها، وتصدر مخزونها، مثلما حدث طيلة 15 عام، منذ احتلالها في 1967.
لا تقتصر إجابة سؤال “ماذا لو؟” على ما سبق، فحسب، وإنما يضاف إليها أن إسرائيل كانت ستتمادى في بناء المستوطنات، والمدن، في شمال، وجنوب سيناء، مثلما فعلت في الجولان، والضفة الغربية، ونقلت إليها آلاف المستوطنين، لترسيخ تواجدها، مثلما فعلت في مستعمرة ياميت، التي أقامها العدو بالقرب من رفح، كمثال واضح على مخططها، بمحاولة إنشاء ثالث أكبر مدنها الساحلية، على البحر المتوسط، بعد تل أبيب، وحيفا. ولكانت إسرائيل لازالت تقوم باستغلال مناجم الفحم والفوسفات والرخام، في سيناء، والاستفادة من تصدير إنتاجهم. ولما كانت مصر لتستفيد من مدن سيناء السياحية لحسابها.
بمعنى آخر، كان الاقتصاد المصري سيظل، حتى التخلص من العدو الإسرائيلي، اقتصاد حرب، بمعنى توجيه كل موارد الدولة للمجهود الحربي، وتجهيز القوات المسلحة لبناء دفاعاتها، لخوض الحرب. أما انتصارنا في الحرب، واستعادة الأرض، فكان معناه ما رأيناه منذ ذلك اليوم، بإعادة بناء الدولة، وتنميتها، بتحقيق فائض نمو اقتصادي، تم توجيهه لإعادة البنية الأساسية التي دمرتها الحروب، سواء الطرق أو مشاريع المياه والصرف الصحي، أو لتطوير الخدمات المقدمة للمواطن، كالمواصلات والمدارس والمستشفيات والمصانع، فتم على سبيل المثال إنشاء مترو الأنفاق، وتطوير المطارات وبناء الجديد منها، وكل ما يهم المواطن المصري، ويفي باحتياجاته.
كان استرداد طابا، في 1989، كآخر جزء من سيناء، اكتمال لمعركة الكرامة، للشعب المصري، وقواته المسلحة، اللذان لا يقبلان التفريط في أي شبر من أراضيهم، ليضيف لإجابة سؤال “ماذا لو؟”، فلو لم تسترد مصر أرض سيناء، وكل شبر فيها، لوضعت اسمها، وسمعة جيشها العظيم، على المحك. لقد رسخت حرب أكتوبر معاني الوطنية، والاستبسال، والفداء، التي يتميز بها الشعب المصري عامة، والقوات المسلحة خاصة. لقد استعاد الجيش المصري سمعته وكرامته، ليس فقط بين المصريين، ولكن بين الأمة العربية، والعالم كله، فقد قدم الجيش المصري، في حرب 73، دروس عسكرية حديثة، ومفاهيم جديدة، في علوم فن القتال، والاستراتيجية، والأمن القومي، إذ تغيرت قواعد ورواسخ العقائد العسكرية، المعمول بها في المعسكرين الشرقي والغربي، نتيجة خبرة حرب 73، التي سارت تدرس في أعتى المعاهد والكليات العسكرية، حول العالم، بإمضاء مصري. والحقيقة أن تدرج مركز القوات المسلحة المصرية، في التصنيف العالمي، لتصل في العام الحالي، 2020، إلى القوة التاسعة، على مستوى العالم، كان يعتمد، في واحد من بنود التصنيف، على الخبرة القتالية، التي حصلّها الجيش المصري، في حرب 73.
ولو لم تشن مصر حرب أكتوبر، وتستعيد سيناء، لكانت قد فقدت مركزها، كقوة إقليمية، وعالمية، مؤثرة في مجريات الأحداث السياسية والاقتصادية، ولولا استعادة مصر لأرضها، وكرامتها، لكانت، اليوم، بلا وزن، أو ثقل، في الكيان الدولي. ولو لم نسترد سيناء، ونعيدها للوطن الأم، لما بدأت خطة الإصلاح الاقتصادي، التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ توليه رئاسة الجمهورية، والتي تعتبر تنمية سيناء جزء منها، حيث بدأ تطوير، وتوسيع، بحيرة البردويل، وبدأ تطوير ميناء العريش، وإنشاء حجم كبير من الطرق والأنفاق، الجديدة، التي تربط شبه جزيرة سيناء، بباقي محافظات الوطن، فضلاً عن التنمية الصناعية، متمثلة في تصنيع الرخام، والفوسفات، بدلاً من تصديرهم كمواد خام، كما كان الحال من قبل. يضاف إلى ذلك مشروعات التنمية العمرانية، بتأسيس كيانات مجتمعية، متكاملة، لتوطين أهالي سيناء، في قرى جديدة، حول آبار المياه، مع توفير كافة الخدمات التعليمية، والصحية، والأمنية، وغيرها بها. سيظل عيد تحرير سيناء، يوم 25 أبريل، من كل عام، ذكرى للعزة المصرية، ورمز لصلابة مصر، شعباً وجيشاً، وإصرارهم حتى استعادة الأرض المصرية، بعد غياب خمسة عشر عاماً.