متابعة/أيمن بحر ولد هينز الفريد كيسنجر فى 27 مايو 1923. سياسى أمريكى ودبلوماسى وخبير إستشارى جيوسياسى شغل منصب وزير خارجية الولايات المتحدة ومستشار الأمن القومى الأمريكى فى ظل حكومة الرؤساء ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد هو لاجئ يهودى هرب مع عائلته من المانيا النازية عام 1938 أصبح مستشار الأمن القومى فى عام 1969 ووزير الخارجية الأمريكى فى عام 1973 بسبب إجراءاته فى التفاوض لوقف إطلاق النار فى فيتنام، حصل كيسنجر على جائزة نوبل للسلام عام 1973 فى ظل ظروف مثيرة للجدل، حيث إستقال عضوان من اللجنة احتجاجاً على ذلك. سعى كيسنجر لاحقاً، دون جدوى، الى إعادة الجائزة بعد فشل وقف إطلاق النار.مارس الواقعية السياسية حيث لعب كيسنجر دوراً بارزاً فى السياسة الخارجية للولايات المتحدة بين عامى 1969 و 1977. خلال هذه الفترة كان رائداً فى سياسة الإنفراج الدولى مع الإتحاد السوفييتى ونسق إفتتاح العلاقات الأمريكية مع جمهورية الصين الشعبية وانخرط فيما أصبح يُعرف بإسم دبلوماسية الوسيط المكوكى المتنقل فى الشرق الأوسط لإنهاء حرب أكتوبر، والتفاوض على إتفاقيات باريس للسلام وإنهاء التدخل الأمريكى فى حرب فيتنام. إرتبط كيسنجر أيضاً فى سياسات مثيرة للجدل مثل تورط الولايات المتحدة عام 1973 فى إنقلاب تشيلى، وإعطاء (الضوء الأخضر) الى المجلس العسكرى فى الأرجنتين لحربهم الغير شرعية ودعم الولايات المتحدة لباكستان خلال حرب بنغلاديش على الرغم من الإبادة الجماعية التى إرتكبتها باكستان بحق بنغلادش بعد تركه الحكومة أسس شركاء كيسنجر وهى شركة إستشارات جيوسياسية دولية. كتب كيسنجر أكثر من إثنى عشر كتاباً فى التاريخ الدبلوماسى والعلاقات الدولية.خضع كيسنجر للتدريب الأساسى فى معسكر كروفت فى سبارتانبرغ فى كارولينا الجنوبية فى 19 يونيو 1943 أثناء وجوده فى كارولينا الجنوبية وهو فى العشرين من عمره تجنس بالجنسية الأمريكية. أرسله الجيش لدراسة الهندسة فى كلية لافاييت، فى بنسيلفانيا ولكن اُلغى البرنامج ونُقل كيسنجر الى كتيبة المشاة 84. هناك، تعرف على فريتز كرايمر وهو زميل مهاجر يهودى من المانيا أشار الى طلاقة كيسنجر بالألمانية وذكائه ونظم له إنضمامه فى قسم فرع المخابرات الحربية. شهد كيسنجر قتالاً مع الفرقة، وتطوع فى المهام الإستخباراتية الخطرة أثناء معركة الثغرة. أثناء التقدم الأمريكى الى المانيا كُلف كيسنجر الذى كان مجرد عسكرى بإدارة مدينة كريفيلد ويُعزى ذلك الى نقص الناطقين بالألمانية فى شعبة فريق الإستخبارات. فى غضون ثمانية أيام أسس إدارة مدنية. ثم أُعيد تعيين كيسنجر فى فيلق مكافحة التجسس (سى آى سى)، حيث أصبح عميلاً خاصاً فى فيلق مكافحة التجسس برتبة رقيب. كُلف بإدارة فريق فى هانوفر لتعقب ضباط غيستابو ومخربين آخرين، مُنحت له ميدالية النجمة البرونزية. فى يونيو 1945 أصبح كيسنجر قائداً لمفرزة مترو بنسهايم فى فيلق مكافحة التجسس منطقة بيكشتراسة فى هسن، مع مسئولية إجتثاث النازية من المنطقة. على الرغم من تمتعه بسلطة مطلقة والقدرة على الإعتقال حرص كيسنجر على تجنب الإنتهاكات فى وجه السكان المحليين على أيدى قيادته. هنرى كيسنجر مخطط السياسة الأمريكية من قبل أن يصبح وزيراً للخارجية فى عهد الرئيس ريتشارد نيكسون ثم مسشاراً للأمن القومى ثم بعد ذلك، وحتى اليوم كتب كثيراً وكُتب عنه الكثير. أصدر هو عدة مؤلفات، وصدرت عنه عشرات الكتب والمؤلفات، وما زالت تصدر. ومع ذلك بقيت هناك جوانب فكرية وعملية فى تصوراته وممارساته وأفكاره غير معروفة أو مستكشفة جيداً تلقى ضوءاً كاشفاً على أى إنحراف أو شرود فى السياسة الخارجية الأميركية، كما حدث فى الآونة الأخيرة مع الرئيس دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومى جون بولتون. ولعل أكثر المؤلفات الصادرة حول كيسنجر فائدة لجهة (المرامى الدبلوماسية) لدولة كونية مثل الولايات المتحدة كتيِّب صغير صدر أخيراً لكاتبه وينستون لورد عنوانه (كيسنجر عن كيسنجر) هو عبارة عن مضمون ستة أشرطة مسجلة جمعها بعض معاونيه السابقين يمكن وصفها بأنها التاريخ الشفهى الذى هو كلام عفوى كبير لم تطله الأقلام من قبل. وكان المؤلف المذكور مساعداً لكسينجر فى البيت الأبيض ثم عمل سفيراً لبلاده لدى الصين . يقول هنرى كيسنجر فى تاريخه الشفهى إنه أمضى ساعات طويلة فى النقاش مع رئيسه نيكسون حول ثلاثة أسئلة محددة طرحاها من البداية: ماذا نحاول أن نفعل؟. ماذا نحاول أن نحقِّق؟. ماذا نحاول أن نمنع؟. ومن الأمثلة التى ساقها حول كيفية التعلُّم أو الإسترشاد بأفكار الخصوم زيارته الى الصين قبل أربعة أشهر من الزيارة التاريخية للرئيس نيكسون اليها لمقابلة الزعيم الصينى ماو تسى تونغ تمهيداً لتلك الزيارة حيث عرض كيسنجر على الزعماء الصينيين مسوَّدة بيان يتضمن نقاط التلاقى أو الإتفاق الممكنة بين واشنطن وبيكين. لكن ماو تسى تونغ أشاح عنها، وإقترح عبر رئيس وزرائه آنذاك شو أن لاى وضع لآئحة بنقاط الإختلاف والتعارض بين البلدين كوسيلة لإستكشاف نقاط التلاقى الممكنة وهكذا كان. ومن الدروس المهمة التى يسوقها كيسنجر فى المسئوليات الإستراتيجية إبقاء دور وزارة الخارجية فى مسألة العلاقات الدولية الحساسة محدوداً، «لأن المؤسسة العسكرية لا يمكن أن تتلقى أوامر من وزارة الخارجية لكن قبل مناقشة الأسئلة الثلاثة المشار اليها سابقاً فإن الديبلوماسية الناجحة يجب أن تطرح تلك الأسئلة على نفسها في إطار مفهوم ما للمستقبل وليس للوضع الراهن لأن المرمى النهائي هو (الهدف) من العملية الديبلوماسية وليس العملية بحد ذاتها.أما الجانب الأصعب فى العملية فهو كيفية تنفيذ ما يجرى إقراره. فالتطبيق هو الأهم لأن التطبيق السئ لقرار جيِّد، يضع القرار الجيِّد فى منزلة القرار الخاطىء. فالقيادة الحكيمة تتطلب رؤية ثاقبة لتحديد الأهداف البعيدة المدى، بقدر ما تتطلب الشجاعة اللآزمة لإتخاذ القرارات الصعبة اللآزمة للتحرك بإتجاه تلك الأهداف. ومن تلك الأهداف البعيدة المدى فى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربى، كيفية التخلص من النفوذ والتسلط العسكرى السوفياتى فى المنطقة وتحديداً فى مصر وسوريا والعراق. وقد إنتهج نيكسون وكيسنجر سياسة واضحة لا تسمح للضغط العسكرى السوفياتى فى هذه البلدان الثلاثة بتقرير نتيجة مجريات الأمور فى الشرق الأوسط من خلال إفهام المسئولين هناك بأنه من غير الممكن تحقيق أى تقدم ديبلوماسى تحت ضغط السلاح السوفياتى. وفى الأحداث المتدحرجة فى الشرق الأوسط وصولاً الى حرب أكتوبر 1973 يقول كيسنجر أفهمنا المسئولين العرب أننا على إستعداد للقيام بمساع ديبلوماسية للوصول الى تفاهمات وحلول لكننا لن نفعل ذلك تحت وطأة الضغط العسكرى السوفياتى. وهذا يفسِّر المنحى الذى إنتهجه الرئيس المصرى الراحل أنور السادات بتغيير إطار المسألة برمتها. فقد فهم السادات أنه لن يستطيع تحقيق أى هدف بالوسائل العسكرية لكنه ذهب الى الحرب ليؤكد ذاته كمفاوض جدى، وكان يعرف مسبقاً بأن الحرب لن تكون حاسمة. ويقول كيسنجر عن حرب 1973قلنا للمصريين وللسوريين إنكم تحاربون الآن بأسلحة سوفياتية لكنكم لن تحصلوا على السلام الاَّ من خلال الديبلوماسية الأميركية ويشير كيسنجر الى الفارق بين حرب 1967 التى هُزم فيها جيش جمال عبد الناصر، وبين حرب 1973 التى حقَّق فيها جيش أنور السادات إنتصاراً ملحوظاً، فيقول بعد هزيمة عبد الناصر فى حرب 1967 هبَّت الجماهير العربية فى معظم البلدان العربية تهتف ضد أميركا أما بعد حرب 1973 فقد تهافت وزراء الخارجية العرب الى واشنطن على الفور عندما أبدت الديبلوماسية الأميركية خلال حرب 1973 إستعداداها لتكون وسيطاً بين العرب وإسرائيل فإنها لم تترك مجالاً للشك لدى المسئولين العرب المنخرطين فى تلك الحرب بأن واشنطن لن تقبل بإلحاق هزيمة كاملة بإسرائيل. وكشف كيسنجر أن الأميركيين كانوا يعتبرون التحركات العسكرية المصرية مجرد مناورات دورية لكنهم أيقنوا قبل 24 ساعة فقط إنها إستعداد لحرب فعليةضةض وكل ما كانت تعرفه الأجهزة الأميركية كان أيضاً فى متناول الأجهزة الإسرائيلية. وعندما سئل كيسنجر، حسب التسجيلات الصوتية، عما إذا كان الإسرائيليون قد فاتحوا الأميركيين بإمكانية شن حرب إستباقية لشلِّ التحركات المصرية، أجاب بالنفى وقال إنه حتى لو أراد الإسرائيليون ذلك لكنَّا نصحناهم وحذرناهم ضد العمل الإستباقى والإعتباران الأساسيان اللذان ساقهما كيسنجر فى الموقف ضد الحرب الإستباقية هما: تجنُّب ظهور إسرائيل بمظهر المعتدى أولاً، وإجتناب إنفجار شعبى فى العالم العربى نتيجة لذلك يؤدى حتماً الى سقوط أنور السادات ونشوء حالة من التطرف المزعزع للإستقرار فى العالم. وقال إن الإسرائيليين ربما كانوا قد بحثوا فيما بينهم بإمكانية شن حرب إستباقية لكنهم لم يُبلغونا بمثل هذه النية بل يصلنا منهم مجرد تلميح بطلب من هذا النوع، فالمجال الزمنى كان قصيراً للغاية.وقال كيسنجر علينا أن نقارن بين الوضع القائم الآن بين مصر وإسرائيل بعد عملية السلام وبين تصوُّر ما كانت ستئول اليه الأوضاع لو قام نظام متطرِّف فى القاهرة من جراء هزيمة جديدة ويتطرق كيسنجر الى البلبلة التى وقع فيها الإتحاد السوفياتى قبل موافقة ليونيد بريجنيف على مشروع إتفاقية وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل. فقد كانت موسكو حائرة بين واجباتها الثورية تجاه حلفائها العرب وبين حرصها على حسن العلاقات مع واشنطن.وأشار كيسنجر الى أن الوصول الى إتفاق مع سوريا حول فك الإشتباك كان أصعب من الإتفاق مع مصر وإستغرق التفاوض بشأنه أكثر من شهر، وقال: هذا ما زال سارياً الى اليوم. حتى تنظيم (داعش) فى سوريا (الدولة الإسلامية فى العراق والشام) لاحظوا هذه المحدودية فى التحرك الأميركى من الملاحظ فى هذه التأملات الشفهية لكيسنجر عرضه الذى يتضمن رأيه الشخصى فى (الحالة الإسرائيلية) وفى الحالة العربية. فالمشكلة الإسرائيلية كما قال هى أن (الهامش الوجود) للإسرائيليين ضيِّق جداً، فكانوا مصممين على إظهار كل تفصيل يتنازلون عنه بأنه إشترى بإرهاق نفسى لمفاوضهم فى الطرف الآخر. ولذلك فإن كل تفاوض مع الإسرائيليين إستمر حتى الدقيقة الأخيرة من الساعة الأخيرة فى اليوم الأخير، لكى يبرهنوا لأنفسهم أنهم حصلوا على آخر شئ يمكن الحصول عليه. وفى المقابل قال كيسنجر: إن المجتمعات العربية يتنازعها الإنفصام بين نوازعها الرسولية التى تعكس جانباً كبيراً من تاريخها وبين حقائق الظروف التى هى فيها. ولذلك فإن الدول العربية خلال مرحلة نيكسون كانت تتصرف كدول وطنية منفصلة، لكن يبقى هناك تيار رسولى خفى يمكن أن ينفجر فى العلن فجأةلم يقل كيسنجر ما إذا كان يعتبر (التيار الداعشى) إنفجاراً رسولياً..