كتب /أيمن بحر اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي قبل عام تمت الإطاحة بالرئيس السودانى السابق عمر البشير بعد عقود فى الحكم. وفى الوقت الذى يتحرك فيه النظام الحالى نحو الديمقراطية ببطء تبرز تحديات سياسية وإقتصادية هائلة يُضاف اليها وباء كورونا كيف تبدو هذه التحديات؟. الأسبوع الماضى تلقى رئيس السودان السابق عمر البشير مجدداً بريدا غير مفرح فى سجنه. وباعث الرسالة هو سعيد اليزال محمد سارى المدعى العام الأعلى فى البلاد الذى إتهم البشير بخرق الدستور عندما قام بإنقلاب 1989. وبهذا يجد الدكتاتور السابق الذى أطاح به الجيش قبل عام أى فى 11 أبريل/ نيسان 2019 بعد مظاهرات حاشدة نفسه أمام كارثة قانونية إضافية. وقبل ذلك فى ديسمبر/ كانون الأول حُكم عليه بالسجن لمدة عامين بسبب الفساد. علاوة على هذا أعلنت الحكومة الإنتقالية المؤلفة من عسكريين ومدنيين بعد الإنقلاب ضده فى فبراير/ شباط الماضى 2020 إستعدادها لإحالة الدكتاتور السابق الى محكمة العدل الدولية فى لاهاى بسبب جرائم حرب مفترضة فى دارفور . هذا القرار وحده لتسليم البشير يكشف كيف تغيرت هذه البلاد التى كانت معزولة دولياً فى السابق، كما تقول فيبكه هانزين من المركز الدولى للتدخل من السلام فى برلين. السودان يكشف اليوم وجهاً آخر مقارنة مع ما كان عليه الحال قبل سنة تفيد هانزين التى زارت مؤخراً الخرطوم ومنطقة دارفور المتأزمةولاحظت لاسيما فى العاصمة نشوة كبيرة. فى الخرطوم بالذات تسود أجواء الإنبعاث والأمل بشكل واضح ومع إعلان الدستور فى أغسطس/ أب الماضى وتشكيل حكومة إنتقالية مدنية تم السير فى طريق لا رجعة فيه والثورة السودانية مضت بالمقارنة بوتيرة سريعة. وهذا يعود لعدة أسباب. فالسودانيون الكبار على الأقل تمكنوا مع منعطفين سابقين فى 1964 و 1985 من جمع تجارب مع إنتفاضات ضد أنظمة غير مرغوب فيها. كما أن البشير لم يحظى بدعم جميع ممثلى الأجهزة الأمنية. والمتظاهرون الذين أجبروا الجيش بإحتجاجاتهم الحاشدة على الإنقلاب ضد البشير تمكنوا من الإعتماد على الدعم الأخلاقى ليس فقط من الإتحاد الأوروبى، بل حتى من الإتحاد الافريقى. وعندما إتضح أن الوضع سيتدهور إقتصادياً تحت البشير، سحب الكثير من رجال الأعمال دعمهم. وتحت البشير كانت البنية التحتية على كل حال منهارة بشكل واسع: الزراعة وقطاع الصحة والنقل وقطاع التعليم ـ قلما كان قطاع يعمل بنجاح. كما أن البلاد خسرت شطرها الجنوبى فى 2011 ومعه موارد النفط المربحة هناك. كل هذا أدى الى بزوغ الإنتفاضة التى شملت أجزاء فى البلاد وشرائح سكانية واسعة. فالحدود العرقية والإجتماعية والدينية التى عرف البشير إستغلالها بحنكة لضمان سلطته لم تعد تلعب أى دور فى الإنتفاضة ضده فالناس تجاوزوا تناقضاتهم وطالبوا بحكومة ديمقراطية مدنية. لكن التطور منذ تلك اللحظة لم يكن محمياً من إنتكاسات. فصدمة غير منسية تتمثل فى مذبحة حصلت فى 3 يونيو/ جزيران 2019 فى الخرطوم ـ أكثر من مائة متظاهر تم رميهم بالرصاص فى يوم واحد فى تجمع إحتجاجى، والحقيقة غير معروفة الى يومنا هذا. وأوائل مارس/ آذار 2020 تم تنفيذ إعتداء على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك المحسوب على معسكر المدنيين. ونجا حمدوك الذى أعلن أن الهجوم بالنسبة اليه دفعة إضافية لدفع عجلة التحول الى الأمام. لكن هذا يعنى أيضاً أن عليه حل بعض المشاكل التى ظلت قائمة عقب سقوط البشير. وعلى هذا النحو وجب عليه الدفع بالمحادثات مع مجموعات المتمردين السابقة والحاقها بالدولة الجديدة. وفيما سينجح تحول نظام حقيقى فهذا رهين بميزان القوة الهش بين المدنيين والجيش وبين المجموعات الديمقراطية وممثلى النظام العسكرى الاسلاموي القديم تقول العارفة بشئون السودان هانزين. فالكثير من السودانيين ينتابهم القلق من أن الجيش فى الحقيقة يريد فقط ضمان سلطته السياسية عوض السير فى طريق الدولة المدنية التى يخضع فيها العسكريون أيضا للقانون. كما أن الحكومة المدنية الجديدة أعلنت أن إنهاء النزاعات المسلحة المتبقية فى السودان من أولوياتها الكبرى، فمنذ أكتوبر تتفاوض فى جوبا بالجنوب مع مجموعات متمردين مختلفة. كما وجب تقديم آفاق للآجئين الداخليين. ففى دارفور وحدها يُعتبر 1.8 مليون شخص مهجرين داخليين وغالبيتهم تعيش فى مخيمات. وحتى الوضع الإقتصادى يبقى مخيباً للأمل، فالسودان ينتمى للدول العشر الأكثر مديونية فى العالم. ونسبة المديونية تصل حالياً الى 122 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى. وحتى التضخم فهو مرتفع ـ فى فبراير/ شباط من هذا العام كان يصل الى أكثر من 71 فى المائة. وهذا يعنى بالنسبة الى كثير من الناس صعوبة فى النفاد الى المواد الغذائية. كما أن السودان يجد نفسه فى مواجهة خطر وباء كورونا. وحالياً سُجلت فقط 14 حالة إصابة وإثنان من الموتى الا أن العدد المخفى يبقى غير معروف. وفى حال إنتشار واسع للفيروس، فإن البلاد الفقيرة ستصل بسرعة الى إستنفاذ إمكانياتها. وتقول فيبكه هانزين بأن الوباء عامل خطر كبير على الناس ومشاريع الحكومة الجديدة والتطور الديمقراطى فى السودان وتلاحظ الخبيرة أن تفشى كوفيد 19 فى أحد المخيمات الكبيرة فى دارفور سيكون بمثابة صدمة للنظام الذى هو فى الأصل غير قادر فى أوقات إستقرار على إمتصاص ذلك. والتحويلات المالية الضرورية من مئات آلاف العمال السودانيين من منطقة الخليج يتهددها التراجع الآن. وليس واضحاً للأسف ما إذا كان بمقدور السودان أن يأمل فى الحصول فى هذا الوضع الصعب على الدعم المالى من البلدان الغربية التى هى حالياً منشغلة بحل الأزمة الإقتصادية فى بلدانها.