تقرير /عارف نبيه لم ينجح أبناء العم فقط (اليهود ) في السيطرة علي المراكز الرئيسية في الإقتصاد المصري فضلا عن قدراتهم البارعة في إستقطاب إهتمام و رعاية القيادات الوطنية و رؤساء الحكومات ورجال القصر. بل إمتد نفوذهم ليشمل إجتذاب القيادات الفكرية و الثقافية أيضا.
وقد نجحوا في تحقيق ذلك إلى حد بعيد من خلال أبناء الطائفة اليهودية بمصر و التي بدت وكأنها شبكة متعددة الخيوط.
ومع تزايد إنكشاف العلاقة الوطيدة بين يهود مصر و الحركة الصهيونية أنشأ مثقفو اليهود (جمعية أصدقاء الجامعة العبرية في القدس ) 1925. وفي الفترة من 1925-1935 أنشأوا العديد من التجمعات و المؤسسات الثقافية مثل النادي العبري و إتحاد المدارس اليهودية و جمعية هرتزل لتشجيع الثقافة العبرية ونشرها بين يهود مصر.
و تتجسد خطورة الدور الثقافي الذي قام به المثقفون اليهود في محاولاتهم الإلتفاف حول كبار الكتاب و الأدباء المصريين والتقرب إليهم و العمل علي كسب تعاطفهم و بالتالي ضمان إمتناعهم عن كتابة أي شيء يؤدي بشكل أو بآخر إلى كشف النوايا الحقيقية للنشاط الصهيوني في مصر. وقد نجحوا بالفعل في إكتساب ثقة وتعاطف كلا من طه حسين و محمد حسنين هيكل و العقاد و لطفي السيد و غيرهم.
وفيما يتعلق بطه حسين فقد تتلمذ علي يديه كثير من الطلبة اليهود أمثال (إسرائيل ولفنسون) الذي أعد رسالة الدكتوراه عن (تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية و صدر الإسلام)و قد ركزت تلك الرسالة التي أشرف عليها طه حسين علي إظهار فضل اليهود علي العرب!!
هذا وقد أحاطت الصحافة اليهودية الدكتور طه حسين بإهتمامها الواضح وقام أحد المثقفين اليهود بترجمة كتاب (الأيام) إلى اللغة العبرية. كما قام طه حسين بزيارة مدارس الطائفة الإسرائيلية بالاسكندرية في 1944 وكان في أستقباله كبار الشخصيات اليهودية وعلي رأسهم الحاخام الأكبر فنتورا. كما أعدوا نشيدا خاصا للترحيب به. وألقي طه حسين محاضرة في دار المدارس الإسرائيلية أبرز فيها علاقة اليهود بالأدب العربي. و قد إستثمرتها الدوائر اليهودية أفضل إستثمار فنشرتها الصحف اليهودية والصهيونية في صفحاتها الأولي وأعتبرت وثيقة دعائية هامة لليهود. وعلي إثر ذلك تعرض طه حسين للهجوم بسبب هذة المحاضرة من جانب الصحافة العربية ولكن تصدت الصحف اليهودية بالدفاع عنه!!. وقد إستكمل المثقفون اليهود نجاحهم في هذا الصدد بإسناد رئاسة تحرير مجلة (الكاتب المصري) إلى طه حسين الذي حشد إلى جانبه عدداً كبيراً من الكتاب المصريين. وقد أجمع معظم المعاصرين لهذة المجلة علي أن الهدف من إنشائها كان لضمان إسكات الأقلام و الألسن المصرية الممثلة في القيادات الفكرية والثقافية عن محاولة توجيه اللوم أو الهجوم علي اليهود أو إثارة القضية الفلسطينية علي صفحات الجرائد المصرية لأن ذلك كان سيجرهم إلي مهاجمة اليهود وكشف أهداف الحركة الصهيونية.
كذلك إلتف اليهود حول أحمد شوقي أمير الشعراء لإكتساب صداقته ولم يدخروا وسعا في إنتهاز جميع الفرص و المناسبات للتقرب إليه وإظهار تقديرهم له منها إشتراكهم في المؤتمر العربي الذي أقيم لتكريم شوقي حيث ألقي مراد فرج(اليهودي) قصيدة تكريما له وأرسلت جمعية الأدباء و المؤلفين العبريين و نقابة المعلمين اليهود بالقدس برقية علي لسان الشاعر اليهودي (ببالي) للمشاركة في هذا التكريم.
وقد استطاع اليهود أن يجذبوا أيضا الكاتب المصري عباس العقاد مما عرضه إلى إتهام بعض الصحف الوطنية بأن اليهود قد نجحوا في شراء قلمه. وفي إطار الإهتمام بالمثقفين المصريين خصصت بعض الصحف اليهودية ذات الإتجاه الصهيوني السافر مثل صحيفه الشمس أبوابا خاصة للتحدث عن الشخصيات المصرية البارزة في مجال الثقافة و الفن و العلوم و لا يخفي الهدف المراد تحقيقه من وراء ذلك والذي كان من نتيجته أن وجد اليهود بين الكتاب المصريين من يتعاطف معهم و يقتنع بقضيتهم.