صدر مؤخرا عن مؤسسة “يسطرون” للنشر والتوزيع كتاب (انحراف) للكاتب الصحف محمد الشرشابي، تناول من خلاله حديثا مفصلا عن مسالك الانحراف المؤدية إلى مهالك الضلال، وذلك فى دراسة دينية، نفسية، اجتماعية.
ويشير الشرشابى إلى أنه ركز فى هذا الكتاب على أسباب تفشى ظواهر الانحراف وطرق معالجتها، ناعيا أن المجتمع عادة ما يتعامل معها عند بداية ظهورها بشيء من اللامبالاة
أو على أنها ليست سوى سلوكيات فردية لا خوف منها على المجتمع، لكن الذى يحدث وعلى غير تحسب من المصلحين أو استعداد، أنهم لا ينتبهون إلا والمشكلة قد استشرت
وانتشرت وراجت واستغلها أهل الأهواء الضالة والنزعات المغرضة وراحوا يؤصلون لها ويثبتون جذورها
فتتحول من مجرد سلوك مستهجن منكر، إلى عادة لها تابعوها ومريدوها، الذين يدافعون عنها ويسعون لإقرارها وانتزاع اعترافات بها من كل أفراد المجتمع، بل ربما يصل الأمر إلى حرب معلنة
بينهم وبين من يعترض طريقهم أو يقف فى وجوههم، مؤكدا أنه عندئذ تبدو هذه الحرب طبيعية، بين باطل له أنصاره المستفيدين منه والراغبين فى استمراره، وبين حق له رجاله المدافعين
عنه والواقفين على ثغوره، وهى معركة أزلية منذ بدء الخليقة لا تكاد تنتهى إحدى حلقاتها حتى تبدأ حلقة أخرى من الصراع الذى قد يفوز الباطل فى بعض جولاته، لكن تبقى المعركة الحاسمة التى لا يصح فيها إلا الصحيح.
ويقول: إن التخوف الذى يجب الإلحاح فى التنبيه من مخاطر الضلال، يكمن فى قدرة الباطل فى كثير من الأحيان على قلب الحقائق،
وإيهام العوام أنه، يتضمن دعوات تحضر وتقدم، وتطلع لتحقيق الأفضل، موضحا أنه لا يمكن لأحد أن يتصور أن مجتمعا قد يجتمع على الضلال، مهما شاع ومهما تعاظمت آثاره، ومهما كثر مناصروه
، لكننا فى الوقت ذاته لا يمكننا أن ننكر أن شيوع الضلال، قد يشعر البعض بغياب الحق، وهو إحساس طبيعى لكنه سرعان ما يختفى بالعثور مصادفة على من يقاومون الباطل،
أو حتى التنقيب عنهم، فى موجودون فى كل الأحوال، لكنه يرى أن الطامة الكبرى أن تنشأ أجيال وتتربى على الباطل، وهى تعتقد مسلك طبيعي، فمن الخطورة بمكان أن يشيع بين الأجيال
أن الانحراف سلوك وأن القبح عادة وأن الفحش سلوك حياة وأن البذاءة طريقة تعامل، ثم يظهر من بين هؤلاء من يمقت هذه المسالك، فإذا بالمجتمع يلفظ المصلحين ويستغربهم.
ويتعجب الكاتب أن الهوى قد يصل بشخص إلى درجة تجعله يكذب ويصدق نفسه، ثم يتمادى فى الكذب حتى لا يصدق إلا نفسه،
إلى أن يصبح من أصحاب الأهواء الذين يبرر لهم هواهم فعل الحماقات وارتكاب الموبقات واختلاق الأزمات،
حيث يبرر لهم هواهم كل خطيئة ما دموا معتقدين أنها تحقق لهم مصالح، رغم تيقنهم أن الحق على عكس ما يدعون.
ويحذر الشرشابى من أنه بين ثنايا الصوت العالى يطل الإسفاف برأسه على مائدة الحوار، محولا إياه إلى عراك لا عقلانية فيه ومن غير رغبة فى الوصول إلى نتيجة ربما يرضى بها كلا الطرفان
، ولو أن هؤلاء المتعاركون شغلوا أنفسهم بمعرفة أبسط قواعد علم أدب البحث والمناظرة، لأدركوا أن أبسط ما فيها أن يدخل كلاهما ساحة الحوار وهو على استعداد تام للاعتراف
برأى الآخر متى تبين له صحته، أو على الأقل أن يتبادلا رغبة مشتركة فى الوصول إلى الحقيقة، لكن الحاصل أن كلاهما يدخل ساحة الحوار
وهو لا يملك أى رغبة فى تحقيق أى نتيجة يبتعد قيد أنملة عما هو مستقر فى مخيلته، موضحا أن همجية الحوار، ربما تقتل العديد من القضايا المصيرية فى مهدها، إما رغبة فى اتقاء
تبعات الاختلاف، وإما من خلال استقواء أصحاب الآراء الضعيفة بقوة المال أو السلطة أو النفوذ أو التقاليد،
وبالتالى تنطوى العديد من الصفحات على كثير من القضايا التى لو منحت الفرصة للظهور لكانت تدعيما لمستقبل أفضل ووصولا للحلول تبقى فى طى السكوت والنسيان،
وكان يفترض لو أنها نوقشت فى مجتمع متحضر لاستفاد المجتمع مما تم الاتفاق عليه بين الأطراف المختلفة، ولتلاشينا الوقوع فى مأزق الجزر المنعزلة. وينتقل الكاتب
إلى الحديث عن كونالتنشئة السوية أساس لضبط السلوك العام، بضبط الرغبات وتأجيل الإشباع عندما يتعلم الناشئ أن يضبط رغباته ويتصرف بطريقة عقلانية قائمة على التفكير
وليس على القهر العاطفي، مؤكدا أن مسؤولية التنشئة لا تستثنى أحدا من أفراد المجتمع، بل هى أحدى الواجبات المشتركة، فربما يقدر لشخص ما أن يكون فى مكان ترقبه الأنظار
بل ربما تتطلع إليه، وهو ما يلقى عليه مسؤولية مضاعفة، ولكن دعونا نتفق أولا على أن مسؤولية السلوك الجيد لا تستثنى أحدا، وإنما هى عامل مشترك بين يجب أن يكون متوافرا فى الجميع.
يذكر أن الكتاب يُعرض بجناح مؤسسة يسطرون للنشر والتوزيع بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، صالة (1). A 53مع مجموعة أخرى من مؤلفات “الشرشابي”.