لم يكن يتوقع نيقولا ميكافيللي أن كتابه (الأمير) الذي إنتهي منه قبل وفاته ب14 عاما سيصبح مرجعا سياسياً مهما للكثيرين من قادة العالم عقب الثورة الصناعية.
و لم يخيل إليه أن يصبح للكتاب أهمية في عالم السياسة. فكل ما كان يطمح إليه ميكيافللي أن يقرأ الأمير هذا الكتاب ويعمل بما جاء به ويستطيع توحيد إيطاليا.
لكن الكتاب أيضا وفي نفس الوقت يعتبر عارا يلاحق مؤلفه حتي بعد وفاته بعدة قرون. ورغم محاولات الدفاع العديدة عن الكتاب إلا أنها لم تفقده السمعة السيئة التي حاقت به و بمؤلفه.
لكن هذا الناصح الأمين (ميكيافللي) لم يخجل من ذكر نصائحه صراحة و دون محاولة لتغطيه ما فيها من معاني الخسة و الإنتهازية
وعدم احترام حقوق الآخرين. بل وأعتبر أن قتل الأبرياء شيئا طبيعيا من الممكن فعله من أجل الحفاظ على ملك مغتصب
وذلك عندما نصح الأمير بأن يبيد كل أفراد الأسرة المالكة فيما يسقط بين يديه من ولايات و إلا أصبحوا خطراً عليه.
كذلك نصح ميكافيللي الأمير علانية بأن يجمع كل الصفات الحميدة التي يفتخر بها الرجال ويلتزم بها أمام الناس. بل ويبذل كل ما في وسعه كي يشتهر بها فيقول الناس
عنه أنه كريم.. صادق.. شجاع.. محافظ علي العهد. لكنه يشدد علي أن يستخدم الأمير عكس هذة الصفات عند الحاجة إليها دون خجل.
فالمهم فقط هو مايسعي إليه الأمير من شهرة طيبة تتحقق سواء إلتزم بتلك الصفات أم لا.
إن إسم ميكافيللي في حد ذاته لا يرتبط بأي معني طيب في ذهن القارئ العربي العادي بل إن الكثيرين من القراء العرب و المسلمين
لا يعرفون عنه سوي انه صاحب عبارة (الغاية تبرر الوسيلة) وهي عبارة وردت في الفصل ال18 ومعناها واضح وصريح.
. أي الوصول إلى مانريد بأي طريق حتي وإن كان طريقا غير شريف. وهي عبارة تجرد معني الإنتهازية في أحسن صوره
وقد أثار كتاب ميكافيللي جدلا كبيرا عندما نشر في أوروبا و لأول مرة فهو يتناول أخلاقيات السياسة وهو شيء لم يسبقه أحد إليه. إلا أن غالب النقاد في تلك الفترة أجمعوا علي ما فيه من أخلاقيات شريرة وقالوا إن الكتاب لا يناسب
سوي الطغاه و الأشرار من الحكام وقد أجمع المسرح العالمي و العربي علي تلك المعاني الشريرة الموجودة في أفكار ميكافيللي. و مما ساعد على تفشي السمعة السيئة للكتاب و صاحبه انه قد صدر قرار في عام 1559 بإدراج جميع
أعمال ميكيافللي في قائمة الكتب الممنوع نشرها. كما أن كثير من الجبابرة و الطغاه كانوا يحبون قراءة كتاب الأمير فيقال أن موسوليني قد أختاره موضوعا لرسالة الدكتوراه ايام دراسته وكان هتلر يضع هذا
الكتاب علي مقربة من سريره ويقرأ فيه قبل أن ينام. ولا غرابة إذن إذا علمنا أن ماكس ليرنو قد قال في مقدمه كتابه (أحاديث) أن لينين و ستالين قد تتلمذا أيضا علي كتاب ميكيافيللي!
وتعود أهمية قراءة هذا الكتاب الي أنه مليئ بالأخلاق السياسية السائدة في ذلك العصر بل والسائدة حتي عصرنا هذا سواء أكانت هذه الأخلاقيات
حميدة ام بغيضه. وهذا يوضح لنا كيف تأثر قدامي الساسة والمحدثين منهم بما ورد بهذا الكتاب وكيف استفادوا منه في تسيير أمور أعمالهم من السياسة و غيرها.
والكتاب و بشهادة عدد كبير من المؤرخين يعتبر أول ما كتب في عالم السياسة الحديث الذي تفرع وتشعب و تعدد في عصرنا الحالي واصبح علوما سياسية تدرس في الجامعات.
وقد وضع الكتاب الأسس التي تمكن الحاكم من إختيار قادته و مستشاريه و نوابه وان كان أيضا يوجه الحاكم الي أهمية البطش
بمعارضيه فهو إذن يحتوي علي الصالح و الطالح من الأفكار لنعرف ما فيه من خير ونتجنب ما فيه من شر. وعلينا كعرب عدم الخوف من قراءة كتاب ميكيافللي بسبب ما يحمله
من أفكار مثله مثل كتب الماركسية و الشيوعية وغيرها مما لا نؤمن بها من أفكار تتعارض مع ديننا الإسلامي فالقراءة هنا للإطلاع و المعرفة حتي نعي مايحدث حين تتسلل بعض
مبادئها الي شبابنا أو تدس له عن قصد. فليس جميع من بالمشرق و المغرب مؤمنين بضرورة الحوار الشريف مع الآخر وليس جميع المثقفين في دول العالم المتحضر مستعدين
لنقل ما يفيد الآخرين من أبناء الشعوب الأخري في دول العالم الثالث. بل أن الكثيرين منهم مستعدون لنقل ما يضر من مبادئ أخلاقيات
عن قصد الي أبناء هذا العالم الثالث المسكين حتي يظلوا في المرتبة التالية ولا يرقي إلي مايعتبروه حري بهم فقط.
إذن فهي دعوة لقراءة هذا الكتاب حتي وإن ناقض بعض مبادئنا العربية السمحة. بل إن ذلك مفيد لنا لكي نعرف كيف كان ساسة الغرب
يفكرون في تلك الفترة و كيف تأثروا بهذة الأفكار حتي الآن. وحتي نعرف أيضا أن بعض هذة الأفكار قد انتقل إلي ثقافتنا العربية وطبقها بعض الحكام.
كما يمكننا أن نقارن بما ينصح به ميكيافللي أميره المحبوب وبين ما يحدث في بعض أركان عالمنا اليوم. ولن يكون صعب علينا أن نجد بعض الطغاه يعملون بما جاء به و يستفيدون
منه في البطش علي الضعفاء المسالمين و الاستيلاء علي ممتلكات الآخرين سواء كانت أراضي أو ممتلكات.
بل سنجد بصمات ميكيافللي أيضا في طريقة قيام بعض الحروب العدوانية و الإبادة الجماعية لبعض الطوائف و غيرها من أمثلة كثيرة.