وسط الأراضي الزراعية وغرفة من البلوك الأبيض لا تتعدى مساحتها الـ 70 مترًا والتي يغطيها سقف من الخوص والقش، وفي مقدمتها حظيرة مواشي حيث يجلس “أحمد” شقيق ضحية
“تحرش المنصورة”، “زهرة. ع. .ع” يرعى قطيعا من الخرفان تربيهم الأسرة، وفور سؤال الشاب عن شقيقته تبدل وجهه وبدت عليه ملامح التوتر والقلق، وأخبرنا أنه سيتوجه لوالده ليسأله عن الواقعة.
ثواني معدودة وخرج رجل لا يتعدى عمره الـ 50 عاما، بملامح بسيطة حيث الوجه الأبيض يزينه ذقن خفيف، منكس الرأس ويشبك أصابعه في بعضهما البعض، ويسير بقدم تقيلة
وكأنها لا تستطيع أن تحمله، ليخبرنا بعدها بنبرة صوت منكسرة “ربنا يسامحها دي كسرتنا ومتبري منها من زمان ومعرفش عنها حاجة”.
بعد صمت لدقائق حيث يتفحص الرجل الخمسيني أعين أحد الجيران الذي يراقب المنزل من بعيد، عاد الرجل ينكس رأسه
ويستكمل حديثه قائلا: “يستحيل أدخلها البيت تاني أنا تعبت عليها وشقيت عشان أعلمها أحسن تعليم بس هي معجبهاش عشيتنا وسابت البيت”.
محاولات الأب لإعادة ابنته عن الطريق الذي سلكته لم تؤتي ثمارها، فكان شغلها الشاغل أن تقلد صديقتها التي ظهرت معها أثناء محاولة التحرش ليلة رأس السنة، وحسب الأب
فإن صديقتها “مي”، هي من أقنعتها بالتخلي عن الحجاب وارتداء ملابس ليس لها علاقة بطبيعة البيئة التي تنتمي إليها: “اتلمت على واحدة من بلدنا هي خرجتها عن طوعي وقعدتها معاها في شقة في المنصورة، ومن يومها معرفش عنها حاجة”.
ويستكمل: “لما حققوا معايا قلت لهم اعملوا اللي انتوا عاوزينه معاها أنا بنتي ماتت من زمان”، ورغم ظروف الأسرة وقلة دخلها، فإن الأب لم يبخل على ابنته في التعليم شأنها شأن شقيقاتها،
فألحقها بمعهد خاص للهندسة في مدينة المنصورة وشقيقتها الأخرى بمعهد خاص آخر على أطراف المنصورة: “أنا عندى 3 بنات وولدين علمت بناتي ومستخسرتش
فيهم واحدة في النيل والتانية في السلاب والثالثة لسه صغيرة وبتطلع من الأوائل وأختها اللي في النيل بترتب على دفعتها”.
وسط تبرؤ الأب المكلوم من ابنته، وحالة التخبط التي سيطرت على كلماته كان شقيقها الصغير “أحمد” يقف بجوار والده يضغط
على فكيه من الغيظ ولم ينطق سوى بجملة واحدة: “منها لله فضحتنا، أمي عندها السكر ومن ساعة ما عرفت وهي بتموت جوه”.