كتب /أيمن بحر تمكن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان من توسيع سلطته وبإستمرار على مدى 16 عاماً من حكمه. واليوم يذكّر حكم أدروغان بسلطان فى عصر الحداثة. لكن نهايته تلوح فى الأفق،
إذ هبت رياح التغيير، كما يرى دانيل ديريا بيلوت في تعليقه. الرئيس أردوغان تمكن على مدار 16 عاماً من جمع كل سلطات الدولة بيده واصبح سلطان تركيا الأوحد دون منازع
عندما وصل رجب طيب أردوغان الى السلطة فى عام 2003 كان يوصف آنذاك بأنه إصلاحى ليبرالى يسعى لإلحاق تركيا بالركب الأوروبى. لكن منتقدينه حذروا حتى فى ذلك الوقت
من أن اردوغان ليس سوى “ذئب فى جلد شاة”. وقالوا فى حينه إن اردوغان لا يركب “قطار الديمقراطية إلا ليغادره فى الوقت المناسب.
وكان المتشككون به على حق: أردوغان نزل من هذا القطار فعلاً ـ بعد أن تمكن من نزع السلطة من خصومه العلمانيين فى
الجيش وفى القضاء. ومنذ ذلك الوقت يجد أردوغان نفسه فى الطريق صوب إقامة سلطنته الخاصة فى تركيا، ولتبدأ رحلة العودة الى الماضى العثمانى.
فى السنوات التالية لتوليه السلطة، لم يتمكن أحد من إيقاف رحلة أردوغان ـ فقد تمكن بكل قدرة وثقة بالنفس من إزاحة العقبة تلو الأخرى: إحتجاجات منتزه غيزى ومن بعدها
فضيحة الفساد المالى، كما تمكن أيضاً من النجاة من محاولة إنقلاب دون جهد يُذكر. وفى حزيران/ يونيو 2018 دشن اردوغان نظامه الرئاسى فى البلاد الذى يمنحه كرئيس للدولة
الكثير من السلطات والصلاحيات ليولد نظام الرجل الواحد فى تركيا. ويجلس السلطان اردوغان اليوم على عرشه فى قصر جديد بـ 1000 غرفة فى العاصمة أنقرة حالماً بأن يعلن فى
عام 2023 ـ تماماً بعد 100 عام على تأسيس دولة تركيا الحديثة ـ عن عصر عثمانى جديد. ولكن قبل بلوغ الهدف بمسافة قصيرة بدأ عرشه يهتز، فقد شهد 2019 منعطفاً،
بات يهدد حلمه بالتلاشى. سلطة أردوغان بدأت بالتزعزع فى صيف 2018، عندما بدأت تأثيرات السياسة الإقتصادية الخاطئة تفعل فعلها. ومن أجل الحفاظ على سياسة المحسوبية
والمنسوبية فى الإقتصاد إستثمر أردوغان كثيراً فى قطاع البناء وبشكل أحادى الجانب. ولهذا أصبح الإقتصاد التركى
أقل إنتاجية وبات حالياً فى أزمة خانقة بالتزامن مع إضطرابات شديدة فى سعر العملة الوطنية. وإرتفعت نسبة البطالة خصوصاً بين الشباب الى أرقام قياسية. وساهم إرتفاع الأسعار
بشكل خاص على المنتجات الغذائية الأساسية والفواكه والخضروات فى إنتشار الإستياء بين صفوف السكان على نطاق واسع.
وجاءت فاتورة هذه السياسة على شكل نتائج الإنتخابات البلدية فى أذار/ مارس حيث خسر أردوغان أمام معارضيه
أهم المدن الكبيرة فى البلاد. وكانت خسارة إسطنبول مؤلمة للغاية إذ تشكل المدينة العملاقة المركز الإقتصادى الأول فى البلاد بخزينة بلدية هى الأكبر دون منازع.
ولهذا لم يرغب أدروغان فى تسليم السلطة مهما كلف ذلك من ثمن حيث مارس ضغوطاً شديدة على هيئة الإنتخابات وأجبرها على إعادة الإنتخابات دون تحقيق النجاح. فقد ظهر نجم سياسى
جديد على المسرح السياسى التركى: أكرم إمام أوغلو. السياسى الإشتراكى الديمقراطى حافظ على هدوئه وواجه حملة الكراهية للحزب
الحاكم بلطافة غير معهودة. إمام أوغلو فاز فى الجولة الثانية من الإنتخابات فى إسطنبول على منافسه من معسكر أردوغان بن على يلديريم، وبفارق واضح للغاية. ولم يكن ذلك المقلب الأخير
: فالوجه الجديد إمام أوغلو يتمتع بشعبية واسعة. ويقال إن له حظوظ كبيرة للمنافسة على منصب الرئيس فى الإنتخابات الرئاسية
المقبلة. هزيمة أدروغان المؤلمة جاءت كنتيجة منطقية لسياسة الإستقطاب التى مارسها والتى إنتقمت منه أخيراً. لقد توحدت مختلف القوى السياسية فى تركيا قوى إسلامية وقوميون
وإشتراكيون ديمقراطيون ويساريون ليبراليون كل هذه القوى توحد بوجه العدو المشترك أردوغان رغم كل الإختلافات التى تفصل بعضهم عن البعض.
من جانب آخر تنهار سلطة أردوغان حتى داخل معسكره فقد قدم قرابة مليون عضو من حزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية إستقالته من الحزب. كما بدأ رفاق دربه السابقون
ـ مثل رئيس الوزراء السابق أحمد داووأوغلو ووزير المالية الأسبق علي باباجان والرئيس السابق للبلاد عبدالله غول
ـ بتأسيس أحزاب سياسية مستقلة عن أردوغان. هؤلاء سيحصدون أصواتاً كثيرة من المعسكر المحافظ التى كانت لحد الآن تذهب لحساب أردوغان وحزبه. لقد تمكن أردوغان بطاقته
على المقاومة وإرادة قوية من أن يتحول الى سلطان لتركيا. وبدآ بسلطاته الواسعة التى تشبه النظام الملكى المطلق
وكأنه يجلس على عرشه دون منازع. لكن عام 2019 حمل رياح التغيير وبدأت الأمور تسير ضد السلطان. ففى عام
2023 سيحتفل الأتراك بالذكرى المئوية لتأسيس دولة تركيا الحديثة وهو نفس اليوم الذى تم فيه إلغاء نظام السلطنة فى البلاد.