إلى متى السكوت على فساد المحليات؟! الشارع المصري أصبح من المنغصات اليومية لأي منا، فلا يكاد شارع يخلو من التعديات والإشغالات والقمامة المتراكمة في كل مكان،
بخلاف الباعة الذين يفترشون أسفلت الشارع والأرصفة على حد سواء، وينتهكون القانون بمنتهى التبجح. ولا يخفى على أحد من المواطنين ولا المسؤولين أيضًا، أن من يقف خلف هذه الانتهاكات
والتعديات هم المحليات وموظفوها، ولم يعد خافيًا على أحد كذلك أن بعض موظفي هذه الأحياء يؤجرون الشارع جملة وقطاعي للباعة الجائلين،
مخالفين بذلك القانون ومتعدين على حقوق المواطنين كلهم. ولأن من أمن العقوبة أساء الأدب، يتمادى أولئك وهؤلاء ممن يحتلون شوارعنا
بتعدياتهم السافرة، ومن يسمحون لهم بذلك مستغلين مناصبهم ووظائفهم في المحليات والأحياء. فالمحليات بلا استثناء فاسدة
وواقع الشارع المصري بأكمله يشهد على فسادها، وبالرغم من ذلك لا نجد أي مسؤول في الدولة يتحرك تحركًا جادًا للقضاء على فسادها أو تحجيمه على أقل تقدير. صحيح أن الفساد،
وتحديدًا فساد المحليات، ليس بالأمر الحديث أو المستحدث في وقتنا الراهن ولكنه تفاقم بصورة فجة خاصة في الثلاث لسنوات الأخيرة، إلى الحد الذي فاق فيه سنوات الفوضى التي مرت بها مصر بعد 2011. والأمر الذي يدعونا كمواطنين
للتساؤل، بل وللارتياب أيضًا، أن فوضى الشارع تزداد أكثر كل يوم في ظل غياب وسكوت مريب من جميع الجهات المعنية في الدولة، وفي ظل غض الطرف تمامًا من البرلمان الحالي
– الذي أثبت أن لا يمثل الشعب بأي حال من الأحوال ولكنه يمثل على الشعب دورًا هزليًا -، وكأننا لسنا في دولة قانون، أو لسنا في دولة بحق من الأساس. والعجب كل العجب،
أننا نسمع ليل ونهار عبارة أننا نبني دولة، فكيف لبناء أن يستقر مع وجود فساد يهدم ويشوه كل شيء حولنا؟! ولماذا ندفع نحن المواطنون وحدنا ثمن هذ البناء الذي لا نرى له أي ملامح حقيقية واضحة حتى الآن تنعكس إيجابيًا
على أحوالنا المعيشية، وأولها حال شوارعنا الذي أصبح أسوأ من أي وقت مضى. ومهما اشتكى المواطن، ومهما قدم من بلاغات إلى الجهات المعنية، لا يلتفت أي مسؤول إلى شكواه،
ولا تتحرك أي جهة بصورة جادة لتطبيق القانون. وكأن سياسة الأمر الواقع والبلطجة أصبحت أقوى من أي قانون ومن المنوطين بتنفيذه أيضًا. إن الفساد كفيل وحده بأن يهدم
أعظم الأمم وأقوى الدول، فما بالنا بدولة لا تزال في مرحلة البناء والنهضة؟ كيف يستقيم أمر بنائها مع غض الطرف عن الفساد فيها؟ وكيف لنا أن نصدق أن الدولة تحارب الفساد بالفعل
في الوقت الذي نراه بأعيننا وهو يزداد في شوارعنا إلى حد مفجع! الواقع المؤلم يكذب أي تصريحات، والسكوت المخزي على هذا الواقع يكشف عوار الكثير من المؤسسات في الدولة
وتقصيرهم في أداء مهامهم التي يتقاضون عليها أجورًا من الضرائب التي ندفعها نحن المواطنون، والتي باتت تثقل كاهلنا. إن المعادلة بأكملها أصبحت خاطئة بل وخطيئة أيضًا، ففي أي دولة
يدفع المواطنون الضرائب لكي يحصلوا على خدمات في مقابلها، أما نحن فقد بتنا ندفع ضرائب باهظة في مقابل تفاقم الفساد في حياتنا اليومية. ومن حقنا أن نسأل إلى متى ستظل
أجهزة الدولة بأكملها صامتة عن هذا ملف فساد المحليات؟ فالصمت في حد ذاته تواطوء مع هذا الفساد. وإذا كانت حجة بعض المسؤولين أنهم لا يستطيعون فعل شيء حيال ذلك الفساد، فعليهم أن يتركوا مناصبهم لمن يقدر على محاربته.