أصبح لا يمضي يوم إلا ونطالع على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك صورًا
وأخبارًا تدمي القلوب عن حملات التسميم الجماعية التي يقوم بها البعض ممن عدموا الإنسانية والرحمة ضد كلاب الشارع بحجج مختلفة، فتارة حجة أن هذه الكلاب تشكل خطرًا على
أرواح المواطنين وتارة أخرى بأنها تتسبب في اتساخ الشوارع. والواقع أن جميع تلك الحجج ما هي إلا تبريرات واهية لنزعات إجرامية لدى هؤلاء الذين يرتكبون هذه الجرائم الوحشية والتي إن استمرت على هذا النحو ستكون
وبالًا حقيقيًا على المجتمع بأكمله. فالرحمة لا تتجزأ، فمن لا يرحم حيوانًا ضعيفًا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرحم إنسانًا. إن البساطة التي يرتكب بها البعض مثل هذه الجرائم تعد صافرة إنذار أن المجتمع أصبح مهددًا بخطر حقيقي
، ليس بالطبع خطر مهاجمة كلاب الشارع لأي من المارة به كما يزعم البعض ولكن خطر انتشار ثقافة القتل بين أفراد المجتمع. قتل من يضيقون به، لأي سبب من الأسباب سواء كانت
أسبابًا واهية أو حتي حقيقية. فترسيخ مبدأ القتل في حد ذاته هو الطامة الكبرى التي إن لم نتصدى لها بحسم ستأتي على الأخضر واليابس وستحصد أرواح الجميع في غضون
سنوات قليلة. في الحقيقة لا أستطيع أن أجد أي مبرر منطقي لتلك الحملات المسعورة التي يشنها بعض العاملين في وزارة الزراعية وهيئة الطب البيطري، بالإضافة إلى بعض أفراد
المجتمع الموتورين من أصحاب النزعات الإجرامية. فالكلاب – حسبما يتفق جميع علماء الأحياء – تصنف على أنها حيوانات أليفة، أي ليست من الضواري أو الحيوانات المفترسة حتى يتذرع البعض بحجة الخوف من فتكها بهم ليبرروا
لأنفسهم قتلها وتسميمها، كما أن التعامل معها وكسب صداقتها وودها ليس بالأمر المستحيل أو حتى الصعب، فالكلب إن مددت له يدك بطعام ولو لمرة واحدة سيظل يحفظ لك هذا
الجميل طيلة حياتك، وسيدافع عنك بحياته ضد أي خطر يهدد أمنك وسلامتك. وإذا كانت حجة البعض الآخر ممكن تسول لهم أنفسهم المريضة تسميم هذه المخلوقات الضعيفة أن وجودها في الشوارع يتسبب في اتساخها، فأولى
بهم أن يشنوا حملاتهم تلك على القمامة المتراكمة في جميع أنحاء الجمهورية والتي تسيء إلى مصرنا الغالية. في رأيي الشخصي المتواضع إن من يغضون الطرف عن هذه القمامة ويشنون
حملاتهم المسعورة لقتل أنفس حرم الله قتلها إلا بالحق لهم جميعًا جزء لا يتجزأ من المؤامرة الخبيثة التي تحاك ضد مصر. فنشر الثقافات المدمرة كالإجرام والقبح كفيلة بتدمير
المجتمع، ومن ثم تدمير الدولة ذاتها. وواقع حالنا أصبح شاهدًا على أن مفاهيم الرحمة والإنسانية تراجعت كثيرًا في الآونة الأخيرة وإن كانت لا تزال موجودة بالتأكيد في نفوس
وقلوب الكثيرين، إلا أنها لم تعد هي السائدة كما كانت من قبل. ومرد ذلك إلى ما يتم ممارسته من ممارسات شديدة الأذى من بعض ممن عدموا إنسانيتهم وخشيتهم أيضًا من الله المنتقم الجبار. فلا يظن هؤلاء أنهم سيفلتون من عقاب
الله على ما اقترفته أيديهم من جرائم في حق أنفس بريئة خلقها لتعيش بيننا آمنة مطمئنة، فليس ثمة مجاملة لأحد في قانون السماء. فكل طباخ لذلك السم لابد وأن يتجرعه في الدنيا
والآخرة معًا، وكل مرتكب لهذه الجريمة فهو مفسد في الأرض، وكل محرض عليها شيطان أمرد، وكل ساكت عنها شيطان أخرس. فمن لا يَرحم لا يُرحم، والمجتمع الذي يحل مشاكله أو يواجه مخاوفه بالقتل لا يستحق نعمة الحياة.