يبدو أن مظاهر الزواج و الطلاق قد إمتدت الي عالم السياسة و الحكم فالعلاقة بين المدن القديمة و المدن الحديثة تتشابه كثيرآ برجل
ثري أهمل زوجته الأولي بعد أن قارب الخريف عمرها وتزوج بحسناء الربيع عسي أن تجدد له حيويته وشبابه ضاربا عرض الحائط بالعهد الذي قطعه علي نفسه أمام الله و الشهود
برعايتها ومنحها كل الحقوق الشرعية والقانونية كاملة هي وأولادها وتناسي كلمات الله (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) ففازت حسناء الربيع
بكل إمكانياته المادية و المعنوية.وهو بذلك لا يختلف عن المسئول الذي أدار ظهره للمدن القديمة القائمة ووجه كل الرعاية وإمكانيات الدولة الي المدن الجديدة متجاهلا مبدأ عدم التمييز
الذي نص عليه الدستور فالمدن القديمة و التي ترزح تحت الضغط السكاني المتزايد والذي جعل مرافقها تعجز عن استيعابه قد ظهرت نتائجه في زيادة كثافة المرور
في الشوارع و الطرقات مع زيادة استهلاك المياه والصرف الصحي و الكهرباء فأصبحت متهالكة و مأوي لأعداد متزايدة من الفقراء و المحرومين بعد أن شهدت مناطقها تهميش السكان
و إقصاءهم وهو ما يترك دائما أثرا سلبيا طويل الأمد علي إمكانية إرتقائهم في سلم التقدم الإجتماعي. وفي هذة الأجواء نشأ ما صار يعرف بنظرية المدن الجديدة وهي مدن
تم إنشاؤها على أحدث النظم التخطيطية و روعي في إقامتها بعدها عن الشريط الضيق لوادي النيل ولكن الغريب أن سكانها هم الأكثر ثراءا!!
ولن نبتعد كثيرا إذا قلنا أن التخطيط الحسن هو الذي يحقق قدرا كبيرا من العدل بين مواطني المدن القديمة و الحديثة علي السواء.
فتخطيط المدن يعتبر فنا أصيلا من فنون الحضارة يتطور مع الزمن وعلما له أهميته و قواعده. وقد أصبح ضرورة حتمية لمواجهة المشاكل المعقدة التي تواجه المدن في عصرنا الحالي
فالمدن القديمة تطورت تطورا سريعا فيه القليل من الدراسة وكثير من الارتجال بل نمت أحياء كاملة و ضواحي برمتها تلقائياً وحسب ظروف ملحة لا ترتبط بالمدينة الأصلية أو ببعضها البعض في نسيج متكامل إلا في أندر الحالات
وقد وجد الكثير من المسئولين عن تنظيم تلك المدن أنفسهم في موقف الذي يلاحق التغيير ولا يلحقه فيقبل بالأمر الواقع مكرها أو يصرف جهده و وقته في حل المشاكل العاجلة
التي يخلفها ذلك التوسع العشوائي. و لا يكفي أن نجد الحلول لمشاكل المدينة بل يجب أن تكون تلك الحلول بما يرضي الذوق السليم فجمال المدينة لا يصح أن ينحصر في حدائقها العامة و مبانيها الرئيسية ولكنه يلزم أن يضيئ أصغر التكوينات و أدق التفاصيل فيها.
فمع التطور العلمي و زيادة إهتمام السكان بمستقبل مدينتهم أصبح التخطيط يعني معرفة إحتياجات المدينة ومتطلباتها وتحركات وتنقلات سكانها
وتزايدهم مما يعني تحديد الكثافة السكانية وتخصيص إستعمالات الأراضي و المباني و توفير مطالب السكان من المدارس و المشافي و الحدائق العامة و الملاعب واصبح التخطيط أيضا ملزما بتحقيق ما يطالب به سكان المدينة من إستكمال المرافق العامة فيها وتحسين وسائل المواصلات و النقل العام.
و يجب أن تحقق المدينة للسكان في المقام الأول البيئة الصالحة للعمل و الإنتاج لذلك فقد أضيفت الي مهمة المخطط مهمة تأمين الأساس الاقتصادي للمدينة و التوصية بما يضمن تنوع و نمو موارد الدخل بها فضلا عن إيجاد فرص عمل لسكانها و الاجتهاد في رفع مستواهم الإقتصادي و الاجتماعي.
وحقيقة لا يوجد فارق كبير في الأسس و المبادئ التي تطبق بالنسبة لتخطيط المدن الجديدة وبين إعادة تنظيم المدن القديمة القائمة برغم وجود بعض القيود في حرية التصرف و محاذير يفرضها الارتباط بجذور الماضي و بأوضاع
المدينة القائمة في حين يتسع مجال الابتكار و التجديد بالنسبة للمدن الجديدة. وكما قال المؤرخ والخبير المعماري الأمريكي (لويس ممفورد) ‘أن المهمة الرئيسية للمدينة هي الي جانب توفير الوسائل لوجود النشاط اليومي للسكان
تحويل القوة الي نظام و الطاقة الي حضارة و المادة الجامدة الي رموز حية للفن و التكاثر البيولوجي للسكان الي قدرة اجتماعية خلاقة وهذا يضيف الي مسئوليات المخطط ابعادا أخري لم تكن منوطه إليه من قبل “
و بناءا على ما تقدم وجب علي الزوج أن يتذكر انه لكي ينجح زواجه الثاني بحسناء الربيع ينبغي ألا تكون هناك مشاكل مع زوجته الأولي. فهل تبادر الحكومة بتفعيل المادة الدستورية (عدم التمييز)
بين مواطني المدن القديمة و الجديدة حتي يستقر الزواج (مبدأ المواطنة) وتختفي كلمة طلاق(إهمال) والي الأبد؟!! .