بقلم /عارف نبيه .منذ بداية العهد الملكي البريطاني والذي أسسه سيرديك وسكس في بدايات القرن السادس الميلادي و الشعب البريطاني يبدأ في كتابة ملحمة من العشق لملوكهم و ملكاتهم حتي يومنا هذا وبرغم ذلك فهم يرفضون المستبد وإن كان ملكهم!!
فقد إعتلي شارل الأول عرش إنجلترا في 1625 و بطريقة إستبدادية فرض علي الشعب الضرائب الباهظة إستنادا الي الحق الإلهي المقدس للملوك والذي كان يعني آنذاك أن الرب هو الذي
يختار للناس ملوكهم و من الضروري أن يطيع الناس أوامر ملوكهم و كل من يعارض مشيئة الرب و إرادته يستحق أقصي عقوبة.
وقد أسرف الملك أيضا في اضطهاد (البيوريتان) وهم طائفة دينية انشقت عن الكنيسة الإنجليكانية البروتستانتية و عارضت تعاليمها. وكان يحكم بالسجن علي أي شخص يعترض طريقه. و عندما ثار أعضاء البرلمان و رفضوا الموافقة
علي حصول الملك علي فرض ضرائب جديدة عمد الي حل البرلمان و حكم بريطانيا لمدة إحدي عشرة سنة بدون برلمان (1629 – 1640).وساعده في ذلك وزراؤه (بكنغهام — سترافورد)
وكذا الأسقف لود وزوجته الفرنسية هنرييت. في عام 1640 و بسبب إحتياج الملك الي الأموال في حربه الطويله للقضاء علي الثورة الاسكتلندية إضطر إلي دعوة البرلمان للإنعقاد. انتهز البرلمانيون الفرصة فأطاحوا برأس سترافورد و أسقف لود. لم يحرك الملك
ساكنا أمام مقتل رجاله المقربين وكتم حقده في نفسه. كذلك رفض البرلمان إعتماد الضرائب و أعلن إلغاؤها. وقام بإختيار و تعيين وزراء لممارسة السلطة التنفيذية و السيطرة علي الشئون المالية للمملكة. فما كان من
الملك شارل الأول الا ان رفض تلك التوصيات البرلمانية و دعا أنصاره إلى رفضها ودعا الي ضرورة البطش بأعضاء البرلمان و أنصاره. فكانت الحرب الأهلية وفي خضم تلك الحرب أصر أعضاء البرلمان علي مواصله
ممارسة سلطاتهم بإعتبار أنهم يمثلون إرادة الشعب وليس إرادة الملك. وليس للملك الحق في حل البرلمان حتي ينتخب الشعب أعضاء آخرين وفقا للنظام الدستوري الذي يلزم العمل بموجبه وعدم الإخلال به
من جانب أي شخص وإن كان الملك نفسه. وبهذا المنطق القوي قطع البرلمان علي الملك شارل الأول فرصة و إمكانية أن يصدر قراراً بحل البرلمان. ابتهج الاسكتلانديون لهذا الصدام الذي حدث بين الملك و
البرلمان وأشتدت مقاومتهم و استطاعوا إلحاق الهزيمة بجيش الملك في موقعة (مارستون مور) في أقصي شمال أسكتلندا و بفضل عدم مشاركة القوات البريطانية في جنوب اسكتلندا و التي كانت تحت قيادة كلا من :فيرفاس و كرومويل
و تمت هزيمة قوات الملك أيضا في صراعها ضد القوات الموالية للبرلمان بقيادة كرومويل الذي عاد من أسكتلندا لقيادة القوات المعارضة للملك و تم القبض على الملك ووضعه بالسجن
و بعد محاولة فاشلة للهرب تم القبض عليه مرة أخري وإعدامه بواسطه محاكمة صورية وتم تنفيذ حكم الإعدام في 1649 وتم إلغاء الملكية في بريطانيا وتم إعلان بريطانيا كدولة
للكومنولث مشمولة بحماية كرومويل الذي اعتبر نفسه اللورد الحامي لهذا الكومنولث علي طريقة الأباطره الرومان القدامى وسيطر علي سلطات الحكم بعد القضاء علي ثورتي أسكتلندا و أيرلندا.
وهناك من يري أن السبب الرئيسي في ثورة كرومويل هي مؤامرات اليهود ضد العرش البريطاني إذ كان الملك إدوارد الأول قد أمر بطرد اليهود جميعا من بريطانيا و يورد المؤرخون
أدله و وثائق لايتطرق إليها الشك للتدليل على أن النشاط اليهودي كان هو السبب في بذر الشقاق في المجتمع البريطاني ثم تشجيع كرومويل علي الإطاحة بالملكية إذ كان (فرنانديز كارفاجال) اليهودي هو المستشار السياسي
و العسكري لدي كرومويل وكان سفير البرتغال(دي سوز) في لندن يهوديا أيضا. و كانت سفارة البرتغال في لندن هي حلقة الوصل بين كرومويل و زعماء اليهود خارج بريطانيا!!
و من خلال الرسائل المتبادلة بين كرومويل و إبن عازر برات (رئيس الكنيس اليهودي في أمستردام) وافق كرومويل علي وجود اليهود من جديد في إنجلترا مقابل معونة مالية.. وعلي الجانب الآخر وعد (برات) بالمعونة المالية ثم وضع شروطها ورفض تدبير أمر اي شخص يهودي أو غير يهودي ليقوم بإغتيال الملك شارل الأول بالرغم من تعهد
كرومويل بتسهيل مهمته و كيفيه هروبه.. وأعطي كرومويل الحل البديل وهو تسهيل هروب الملك ليكون الهرب ذريعة لمحاكمته لأن الهرب يشين الملوك و يحط من شأنهم و يوحي إلي الشعب أن لدي الملك الهارب ما يدينه و يشينه.
لكن التآمر اليهودي رغم دقته و إحكامه تسللت إليه الثغرات إذ إنهم وإن تآمروا مع كرومويل أهملوا التآمر مع إبن كرومويل الذي أعاد العرش البريطاني الي أصحابه بعد وفاة كرومويل.
ولم يضع اليهود في حساباتهم أيضا مدي حب الشعب البريطاني للنظام الملكي و الذي وصفه الصحفي البريطاني (وولتر باجهوت) بأنه الجزء الكريم للدولة بينما وصف البرلمان و الحكومة بأنهما جزء العمل. و العاهل البريطاني
سواء أكان ملكا أو ملكه يمثل قيمة رمزية عالية و هو رئيس الدولة وفقا للدستور البريطاني الغير مكتوب و قسم الولاء يحب أن توضع بإسمه و بإسم ذريته المشروعة وليس
بإسم البرلمان أو الأمة و عبارة (حفظ الله الملك) هي النشيد الوطني البريطاني بالإضافة إلي ذلك تبدو صورة الملك علي الطوابع و العملات و الأوراق النقدية. و يسمي العاهل البريطاني
ب (ينبوع العدالة) برغم عدم حضوره شخصيا في القضايا المعروضة على المحاكم. وهو أيضا منبع الشرف و المجد و الكرامة للمملكة.و علي الرغم من صلاحيات الملك الواسعة
نظريا إلا أنها محدودة في الممارسة بموجب العرف و القانون والسوابق التجريبية فهو يملك و لا يحكم. ولهذا كله فالشعب البريطاني يعشق ملوكه.