ديموقراطية علي أنغام البندقية
أثينا.. مسقط رأس الفلاسفة.. هي الأرض التي شهدت إشراقات الديموقراطية و التي تعني (حكم الشعب) وذلك في القرن الخامس
ق. م. و حسبما ذكر المؤرخ اليوناني (ثيوسديديس) فقد وقف الزعيم اليوناني (بيريكليس) فخورا بديموقراطية
أثينا و بتفوقها علي جميع البدائل الأخري قائلا : إنها الحرية و المساواة اللتين تمتع بهما مواطنوها.. حرية لم تعرف الفوضي
و مساواة ليست في كل شيئ ولكن أمام القانون. وان الكفاءة هي أساس الاستحقاق وأن الحياة الخاصة و المصلحة العامة
حظيتا بالإحترام فإزدهرت الحياة الثقافية ونشط النقاش وشجع الخلق و الإبداع وتم الترحيب بالغرباء. و تمكنت أثينا
بفضل إنفتاحها على ماهو جديد و مختلف من الحصول على المعرفة لإلحاق الهزيمة بأعدائها في الحرب
و برغم أن
الديموقراطية في أثينا لم تكن لتحقق المثالية إلا أن مبادئها بعثت الأمل في حياة الناس وكانت القوة المرشدة لطموحاتهم.
و من أثينا خرجت الديموقراطية تغزو بلاد العالم قرنا بعد قرن فنمت و إزدهرت في بلاد كثيرة
ولكنها تعثرت في منطقة الشرق الأوسط بحجة أنها تتعارض قليلاً مع قيم الشرق الأوسط و من جهة أخري تنوع التاريخ
الطويل للحكم الإمبريالي من قبل الإمبراطورية العثمانية و بريطانيا وفرنسا و التدخل السياسي و العسكري
المعاصر للولايات المتحدة الأمريكية وكلها كانت مسئولة عن تفضيل الأنظمة الإستبدادية لأن هذا يبسط بيئة
الأعمال وفي نفس الوقت يثري النخبة الحاكمة و شركات الدول الإمبراطورية و التفسيرات الأخري تقول ان المشكلة
كون دول الشرق الأوسط أغلبها دول ريعية تعاني من نظرية لعنة الموارد الطبيعية.
و من بين الدول التي إزدهرت فيها الديموقراطية الدولة الرومانية وخاصة في مدينة البندقية
والتي سماها العرب بهذا الاسم نسبة الي لقب بونودوتشيا (الدوقة الجميلة)
و قد إزدهرت مدينة البندقية ذات ال118 جزيرة وأصبحت قوة بحرية رئيسية في القرن التاسع الميلادي بوصفها معبرا حيوياً
و بمرور الزمن زادت ثروات البندقية و احتلت مركزا اقتصادياً و سياسياً هاما حتي ظهور قوة البرتغال و اكتشاف الأمريكيتين.
و بالرغم من تعرضها لنكبات و نزاعات سياسية و عسكرية قديماً و تأثرها بالثورات في أوروبا و بعصر النهضة ثم الحروب
في العصر الحديث ألا أنها استطاعت أن تنجو بديموقراطيتها من خلال إعلان روما جمهورية رومانية1849
وتولي السلطة فيها جوزيبي غاريبالدي و جوسيبي مازيني و جاءا بتشريعات شعبية للقضاء علي الضرائب المرهقة
و إعطاء العمل للعاطلين لبناء( روما الشعب) وقد نجحت الجمهورية في إلهام الشعب لبناء أمه إيطالية مستقلة
كما حاولت إقتصاديا أن تحسن أحوال حياة المحرومين من الخدمات من خلال توزيع أراضي الكنيسة الواسعة
علي الفلاحين الفقراء كما تم إصلاح السجون و ملاجئ المختلين عقليا و كذلك إطلاق حرية الصحافة و التقدم في التعليم العلماني
وقد تذكر أهل البندقية جسر التنهدات وهو جسر يقع بوسط المدينة بالغرب من ميدان سان ماركو وهو أشهر موقع معماري
فيها و يستمد اسمه من حقيقة أنه كان جزءاً من مجمع سجن (قصر دوجي) حيث كان يترتب على المحكوم عليهم العبور
من خلاله للإنتقال من غرف الاستجواب الي غرف السجن الجديد بمجرد إصدار الأحكام عليهم و لذا يعد هذا الجسر
الشاهد الوحيد علي تنهيدات و دموع المساجين.. بينما يحمل هذا الجسر في الوقت الحاضر دلالات أكثر سعادة
حيث يتدفق العديد من السياح كل عام لمشاهدة تصميمه الجميل
و من هنا تحولت البندقية الي مقصد سياحي يحلم به كل حالم بالسفر لأنها مدينة الحب
و العشق والجندول والفن و الجمال.. و هي بحق مدينة رقصت علي أنغامها الديموقراطية.