سجين بين كتابين
برغم رداءة صفحاته و بساطة غلافه الخارجي إلا أنه كان الحصن الذي يلجأ إليه التلميذ ليتقي خطر الجهل وينهل منه المعرفة و الثقافة و الفن و إكتساب المهارات.
إنه الكتاب المدرسي(كتاب الوزارة) الذي كان في يوما من الايام مرجعاً أساسيا للمعلومات و مصدرا لإنماء رغبة القراءة و الدراسة لدي التلميذ فأكسبه مهارات التفكير و التحليل و الإستنتاح.
و قد كان أيضا الأساس في تعريف التلميذ بالثقافة و البيئة المجتمعية المحيطة به و التي ساعدته في تكوين الإتجاهات و القيم التي ساهمت في إعداده كعنصر فعال في المجتمع.
و برغم العديد من الاجتهادات في تطوير شكل و مضمون الكتاب المدرسي إلا أن سمة التلميذ المصري أصبحت هي العزوف عنه و اللجوء الي حصن آخر أكثر حداثة في جمع المعلومات. ألا وهو الكتاب الخارجي.
فقد يري البعض أن شكل الكتاب ليس هاما بقدر ما يحتوي من معلومات ولكن كلما كان شكل الكتاب الخارجي و رسومات غلافه توحي بالمحتوي كلما كان ملهما للأفكار و محفزا علي المذاكرة. كذلك فإن جودة الخامة و طريقة الطباعة الملونه شجعت التلميذ علي التحصيل والفهم.
وفي حين يعتمد الكتاب المدرسي علي طريقة سرد المعلومات وإنتظار دور المدرس في الشرح فالكتاب الخارجي يوفر كل ذلك بطرح المعلومات بطريقة( سؤال و جواب )
والاستعانة بالجدول في إيضاح المعاني و التراكيب و تلخيص الدرس في نهاية كل فصل.. بل ويلعب دور المدرس الخصوصي
و ببراعة لأن مؤلفو الكتاب الخارجي إستعانوا بالتكنولوجيا الحديثة فألحقوا به (سيديهات) لتدعيم المعلومات بالصوت و الصورة.
ومن أجل ذلك ينفذ الكتاب الخارجي من الأسواق بمجرد طرحه بينما يكون التهميش هو مصير الكتاب المدرسي!!.
وهذا ما جعل كثيراً من المهتمين بالشأن التعليمي والغالبية العظمي
من أولياء الأمور تتسائل : هل الكتاب الخارجي ظاهرة دمرت التعليم؟
وقبل الخوض في الإجابة على هذا السؤال نقول :أن خيرا فعلت وزارة التربية
والتعليم عندما قررت عدم منح دور النشر الخارجية
تراخيص لتأليف الكتب في النظام الجديد للتعليم بدعوي أن الكتاب الخارجي أحد الأسباب القوية التي أفسدت التعليم في مصر.
فبرغم أن الكتاب الخارجي نجح في تحقيق الهدف منه وهو مساعدة التلميذ
علي اجتياز الامتحان و الحصول علي أكبر قدر من الدرجات
بأن وضع المنهج في كبسولة يحصل عليها التلميذ وتضع له أسئلة
ونقاط محددة و إجابات وجب عليه حفظها دون فهم وتفريغها
علي أوراق الإمتحانات. و بالتالي فالكتاب الخارجي أفسد ما تبقي
من تعليم عندما إختزل فكرة التعليم و التعلم في مفردات مثل
(حفظ.. إمتحان.. درجات.. كليات قمة ).مفردات ليست لها علاقة ببناء الشخصية أ
و تعلم المهارات أو تحقيق التعلم المستمر و المعرفة الحقيقية. ولا تحقق الأهداف التربوية أيضا.
و يشير خبراء التعليم أن هناك تعمد في وجود أخطاء في كتاب الوزارة من أجل إنتعاش سوق الكتاب الخارجي!!
وهناك تعمد أيضا في تأخر طباعة كتب اللغات عن موعدها المحدد مما يساهم في الإقبال علي شراء الكتاب الخارجي
ومما يثير الدهشة والريبة أيضا إعتماد واضعي الإمتحان علي الكتاب الخارجي فقط دون كتاب الوزارة!!
وهذا يضع الجميع أمام سؤال يتطلب إجابات واضحة.. هل صار الكتاب المدرسي يمثل إهدار للمال العام؟! وهل نستطيع
وقف تجهيزه و طباعته وإستبداله بوسائل وطرق أخري أقل تكلفة لتكون له السيادة و التفوق علي الكتاب الخارجي؟
نعم نستطيع.. لأن ما تدفعه الوزارة في طباعة وتجهيز الكتاب المدرسي يعد إهدار للمال العام
لأن الطالب لايستفيد منه وعبء علي ميزانية الأسرة فبرغم أن تجهيز وطباعة الكتاب
المدرسي يكلف الوزارة سنويا أكثر من مليار ونصف المليار جنيه اي
ما يقارب ال17 %من ميزانية الوزارة. إلا أن شراء الكتب الخارجية
يكلف الأسر المصرية مليارات الجنيهات والتي تذهب مباشرة لجيوب كلا من مؤلفي الكتب و المكتبات و دور النشر الخارجية!!.
والحل.. الإرتقاء بمستوي إعداد و إخراج و صياغة الكتاب المدرسي
و إثرائه بالأسئلة والاجوبة المتنوعة و تطوير التعليم وعدم إقتصاره علي إعداد الطالب لإجتياز الإمتحان
فقط. وأن ترتبط المناهج و نظم الإمتحانات و التقييم بإكساب الطلاب
مهارات طويلة المدي تعتمد علي ممارسة الأنشطة وخاصة القراءة والإطلاع في المكتبات.
و إلي أن تصحو الضمائر سيظل إهدار المال العام مستمرا ومعه ستستمر
معاناة الأسرة المصرية مع تعليم يرتقي إلى الهاوية. ويظل التلميذ سجينا بيت كتابين.