قرأت لك 6
تعودنا دائما أن نتذكر نقد سلفنا الناقدين وبكل حنكة مستوحاه من المعتقد الصادق كى نحكم أحكاما ليس بالهادمة
وليست بالمادحة لدرجة الغرور الذى يورث فى النفس الاكتفاء بما قدمت من شعر أو قص أو أدب
متنوع نعم علمنا عبدالله الجرجانى الناقد البناء لكل أدب فى تراسنا الشعرى والأدب بصفة عامة وكافة أشكاله
وأجناسه المختلفة أن ننظر فى المكتوب ونقيسه على بيئة الشاعر او الراوى أو القاصص
لذات العمل ونربط كل هذا ومعتقده الذى يعتقد ثم نوزن كل هذا على الأسلوب الذى أقره واتبعه فى كتابة أشعاره
أو روايته نعم قد تعلمنا على أيدى هؤلاء الشيوخ الأفاضل وبالنظر الى هذا العمل الفريد من وجهة نظرنا المبنية
على وجهات نظر السابقين من شيوخنا العلماء الذين علمونا كيفية النقد الأدبى وأسسه فاننا نرى أن كل عمل أدبى
نابع من نفس صادقة خاضت التجربة الانسانية بصدق وعبرت عنها من خلال شعر أو قص
بأسلوب فيد متنوع يعتمد على ما استقته من معارف وعلوم من البيئة المحيطة فند الأسلوب الأدبى فى التناول
الذى يقنع كل من أطلع عليه دون نقد بناء لان العمل بذاته مع كل هذه الأسس
يصبح مبدع ذو اعجاز من الصعب نقده نقدا هدام بل ينقده نقدا بنا وهو المدح بما جاء به القاص أو الشاعر من أساليب
لم يأتى بها من سبقه وهنا مربط الفرس بالنسبة لكاتبتنا اليوم وهى السيدة المبدعة مؤلفة
رواية اليوم الاستاذة نجوى عبدالرحمن وروايتها كان رجلا غريبا الذى تناولها بعض النقاد وللأسف لم أ1ذكر اسمه
ولو تذكرته لكتبته اجلالا لنقده الصادق فيما استوحاه من قراءة هذه الرواية البديعة
بكل معانى الكلمه واليكم نقده الفوق رائع والصادق مع ما وجده من أساليب ابداعية جاءت بها استاذتنا الروائية
نجوى عبالرحمن يقول استاذنا الناقد
كان رجلا وغريبا
التأرجح بين الألم والمبادئ
___________________
صدرت مؤخرا رواية ” كان رجلا وغريبا ” للكاتبة نجوى عبدالرحمن
وهي العمل الثالث في مسيرة الكاتبة ، فقد صدرت لها روايتان هما ” ست الحزن ” و ” سيدة الأحلام ” .
تتناول الرواية فترة مهمة ومفصلية في تاريخ مصر بشكل عام ، وفي تاريخ مدينة بورسعيد الباسلة – مسقط رأس الكاتبة –
بشكل خاص ، فترة العدوان الثلاثي ومأساة تهجير أهالى بورسعيد ، ثم نكسة 1967
، وتنحي عبدالناصر ، وعودته مرة أخرى عقب مظاهرات الشعب التي خرجت تطالبه بالعودة ، ثم وفاة عبدالناصر
وتولي السادات ، وسياسة الانفتاح التي أضرت بالبلد ، وحولت بورسعيد
– كما ترى الكاتبة – إلى مول تجاري ، ونزعت عنها وجهها الإنساني
كل هذا من خلال أسرة تعمل بصناعة الحلوى .
” زين ” هو الشخصية المحورية في الرواية ، الرجل الغريب كما أسمته الكاتبة
، شاب طيب طموح بسيط ، يحمل بين جنبيه قلبا من ذهب ، يحب الجميع ،
ويحنو على أخوته ، على الرغم من قسوتهم وتنكرهم له ، ويبر أمه دائما .
نجحت نجوى عبدالرحمن في رسم ملامح شخصيته ، بحميمية وحرفية عالية ، كل هذا من خلال لغة بسيطة جدا
، يغلب عليها الحكي والسرد التلقائي ، الذي يلامس الروح بخفة طائر .
تقدم الكاتبة في روايتها سردا متصلا لأحداث ، وأزمنة ، وأماكن عايشتها بأدق تفاصيلها ،
وتصور دوافع ومشاعر وأحاسيس شخصياتها ، وترصد مشاهداتها ، من خلال تقنية الفلاش باك أحيانا .
التخييل التاريخي هو الملمح الأبرز في تقنيات السرد لدى نجوى عبدالرحمن في تلك الرواية
، فهي ليست رواية تاريخية بالمعنى المعروف ، ولكنها قد اتخذت من التاريخ تكأة تتكئ عليها في بناء معمار روايتها
، فهي رواية إنسانية بالمقام الأول ، تمنح الإنسان مساحة كبيرة من الاهتمام ، وتعبر عنه نفسيا ،
وتحاول الإجابة عن أسئلة كثيرة تتعلق بالنفس البشرية ، وتطرح قضايا قيمية تخص هذا الإنسان ، ولكن
الكاتبة تستدعي تلك الحقبة من تاريخ مصر بشكل عام ، وبورسعيد على وجه الخصوص ، لتكون مسرحا لأحداث
روايتها ، لأهمية تلك الفترة ، ولأنها ربما عايشت بعض هذه الفترة ، ورأت وعايشت بعض شخصيات روايتها ، فأرادت
أن تستقرئ التاريخ من خلال هذه الشخصيات ، ربما لتجيب عن أسئلة تخص الراهن .كما أن البناء الفني للرواية
بناء محكم بشكل كبير ، يدور في فلك تلك الأسرة ، وما يتعلق بها من جيران وأقارب وأصدقاء ، يمثلون مختلف التيارات
الاجتماعية ، ولذا جاءت لغة الرواية لغة سردية مرنة منسجمة ، استطاعت الكاتبة من خلالها أن تنقل خطابها الروائي
إلى المتلقي مستندة على محور التاريخ ، في خط سردي متتابع ، يمسك بخيط بدايته الراوي العليم .
كما اهتمت نجوى عبدالرحمن برسم شخصيات الرواية ، وتشريح بعض تلك الشخصيات نفسيا ، للوقوف على دوافع
ومكامن الخير والشر داخل كل شخصية ، وتأطيرها بالإطار الذي يناسبها ، فأحمد الشقيق الأكبر لزين كان ذا سطوة ،
بعد أن منحه الأب سلطة قيادة البيت في غيابه ، وزبيدة الشقيقة الثانية كانت حادة الطباع لأن جدها لأبيها
قد دللها وبالغ في تدليلها ، فنشأت أنانية قاسية القلب على أخوتها .
اهتمت الكاتبة بشكل خاص بشخصية ” زين ” البطل الرئيس في العمل والذي تدور في فلكه كل أحداث الرواية ،
وتأرجحه بين الألم الناتج عن قسوة الحياة ، والتمسك بمبادئه لآخر لحظة في حياته .
هذا الشعور بالألم لم يكن يقابله سوى التسامح والطيبة والإيثار فقد ” عاش عمره راضيا بهزائمه ، عاش عكس نفسه ،
حياة كانت غير حياته التي كان يرجوها ، عاش شبه حياة ، وشبه محبة ، وشبه رغبة ، وشبه لقمة ، فعلا حياته كانت .
. نصف ” ص 7 من خلال هذا السرد المتداعي تفكك الكاتبة بناء كل شخصية ،
لتعيدها إلى عناصرها الأولى ، ليتمكن المتلقي من التواصل مع أحداث العمل .