كتب – محمود الهندي
الأستاذ الدكتور أبوالعلا عطيفى حسنين
أستاذ بكلية الذكاء الاصطناعي جامعة القاهرة ومؤسس ورئيس المدرسة
العلمية البحثية المصرية ومقرر مجلس الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات – أكاديمية البحث العلمى
قال : يبدو أن الأمن الدولي والشؤون الخارجية أحدث بؤر للابتكار وتطبيقات الذكاء الاصطناعي حيث يُنظر إلى تعدَّدَ
الأبعاد للتعليم الآلي اليوم والذكاء الاصطناعى على أنه له تأثير عَمِيقٌ على كيفية إدارة الدول لشئونها الخارجية,
على سبيل المثال أعلنت الصين أن الحكومة الصينية لا تبحث فقط عن كيفية تمكنها من الاستفادة من الذكاء الاصطناعى
لبناء سياسات خارجية أفضل، ولكن أيضًا كيفية تنفيذها .
أصبح البيروقراطيون والسياسيون إلى جانب الباحثين في الصين يفكرون في الذكاء الاصطناعي كمساعد في إتخاذ القرارات اليومية,
حيث تم تدريب الذكاء الاصطناعى على البيانات المتعلقة بالسياسة الدولية والسياسة المحلية والقضايا الأخرى ذات الصلة.
وبالتالي، يمكن تدريب نظام الذكاء الاصطناعى على الإقتراحات والتوصيات المتعلقة بالسياسة في غضون ثوانٍ,
وقد دفع الرئيس الصيني شي جين بينغ جدول أعمال الذكاء الاصطناعى في السياسة الخارجية ودعا إلى بذل جهود
لفتح آفاق جديدة في الدبلوماسية إعتمادا على الذكاء الاصطناعى, حيث إن البرنامج الذي أنشأته الحكومة الصينية يأخذ كم هائل
من البيانات التي تحتوي على معلومات تتراوح من ثرثرة حفلات الكوكتيل إلى الصور التي التقطتها أقمار التجسس .
حيث بدء الذكاء الاصطناعى يلعب دورا محوريا في عملية صنع السياسات والقرارات والعلاقات بين الدول وصنع القرار
مع تغير اسلوب العمل الدبلوماسى وفقًا لمجموعة من المحددات السياسية والتفاعلات المؤسسية داخل النظام السياسي,
على سبيل المثال التنبؤ المبكر بالمخاطر، ومستويات أكثر تعددية وأعمق من المعرفة، وإمكانيات بناء نماذج مختلفة
وبدائل للقرارات والسياسات, حيث من المحتمل أن يكون للأنظمة اللوجستية المستقلة آثار غير مباشرة مهمة على السياسة
الدولية وأن يتغير الأداء اليومي للنظام الدولي بشكل ملحوظ إذا تم استبدال سائقي الشاحنات أو أطقم السفن أو الطيارين
بنظام الذكاء الاصطناعى، ولكن من المرجح أن يتسبب الاستبدال الواسع النطاق للعمل البشري الحالي في هذه القدرات في
انتشار اقتصادي واسع النطاق مع ظهور إضطراب سياسي على المدى القصير إلى المتوسط, بالتالى سيؤدي صعود
الذكاء الاصطناعي إلى تعديل آليات وتوازنات تلك القوى الفاعلة، حيث يعتمد سباق القوة فى عالم العلاقات الدولية
على وفرة المعلومات وحسن استخدامها بالإضافة إلى عنصر السرعة .
يمكن أن يكون لكيفية نَشِرَ الذكاء الاصطناعي من جانب الحكومات عواقب وخيمة في العلاقات الدولية، خاصةً
إذا كانت لدى حكومة ما قُدْرات غير عادية في مجال الذكاء الاصطناعي مثل أمريكا والصين حيث يمكن أن يؤدي الوصول
إلى الأسلحة المستقلة واستخدامها إلى تغيير ميزان القوى العالمي. قد تحدث التحديات التي تواجه ميزان القوى
في المنطقة مع تحرك بعض الدول للاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لعكس المساوئ العسكرية التاريخية تجاه
جيرانها. إن الحكومات التي تختار تبني الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة تحكمها ضوابط أخلاقية وضمان
بقاء البشر هم المتحكمون النهائيون في قرارات صعبة مرتبطة بالحياة، ولكنها قد تضع نفسها في وضع إستراتيجي
غير جيد من خلال القيام بذلك. إن تبَنَّى الذكاء الاصطناعي في ساحة المعارك العسكرية فى نطاق الضوابط
الاخلاقية شئ لايمكن تحقيقة ولا تستطيع سوى القليل من الدول تحمله وتنفيذة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر كبير من أن الأنظمة العسكرية المدعومة من الذكاء الاصطناعى وصنع القرارات التي
يقودها الجيوش التى ستقوض في نهاية المطاف الأساليب الدبلوماسية الحالية لإحتواء تلك الصراعات, حيث لم يكن
الغرض من المؤسسات والمعاهدات الدولية لمعالجة السياسة الخارجية فى تحديد الأسلحة وعدم الانتشار أن تنطبق
على نظام عالمي يتمتع بهذة التقنيات الذكية. ربما يأتي التهديد الأكبر من أسلحة التى تعتمد على الذكاء الاصطناعى
في نهاية المطاف من الجهات الفاعلة الارهابية من غير الدول. إن تكلفة نشر سلاح ذكى مثل نشر الطائرات بدون طيار
المنخفضة التكاليف يكفي لتقع في نطاق الإرهابيين، مما يعني درجة متزايدة من التماثل بين الجيوش الوطنية
والجهات الفاعلة غير الحكومية التي تمضي قدماً في بعض جوانب الحرب .
في المستقبل القريب، قد تتضمن حرب البيانات ساحات قتال إفتراضية بين أشكال الذكاء الاصطناعي التي تسعى
إلى تعطيل بعضها البعض، وتصيب أنظمة القيادة والتحكم تلقائيًا بالتضليل والتعليمات البرمجية الضارة. قد يشمل ذلك
تزويرًا إعلاميًا متطورًا تم تطويره بواسطة الذكاء الاصطناعى، وهو مصمم لحث السكان المعارضين على الاعتماد
على الأكاذيب أو التصرف بما يتعارض مع مصالحهم بأقصى قدر من الكفاءة والتأثير .
وهذا يضع إستراتيجيات الحد من التسلح وعدم الإنتشار في ضوء جديد تمامًا، ويعني الحاجة إلى مواءمة السياسات
الخارجية المشتركة بين الحلفاء من أجل ردع مثل هذه الأعمال من قبل الدول المعادية والجهات الفاعلة غير الحكومية
. هناك قدر ضئيل للغاية من الفهم داخل الحكومات وبين الدبلوماسيين حول كيفية عمل هذه تقنيات الذكاء الاصطناعى
، وما هي الخيارات المتاحة لمواجهتها. بدأت الحكومات في التخطيط والاستثمار لمستقبل الذكاء الاصطناعى،
لكن لم يقم أي منها بعد بوضع وتوضيح خطوط وضوابط حمراء قابلة للتنفيذ حول كيفية استخدام تقنيات الذكاء
الاصطناعي وفقًا لمعايير القانون الدولي الحالي أو في سياق حقوق الإنسان .
يطرح ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي تحديات خطيرة لفكرة تقوية المؤسسات الديمقراطية وحماية المساواة الاجتماعية
، نظرًا لأن ممارسات المراقبة المعززة للذكاء الاصطناعى يمكن أن تقيد الحقوق والحريات المدنية، ويمكن
أن يتفاقم الصراع الاجتماعي والثقافي من خلال إدامة التحيز الاجتماعي والتمييز المتأصل في الذكاء الاصطناعي
والخوارزميات, لا يمكن أن تتمثل مهمة السياسة الخارجية في تصميم وتنفيذ الضوابط والتوازنات بشأن ممارسات
المراقبة التي تتبعها الأجهزة الأمنية، لكن من ضمن مجال الدبلوماسية الدولية إيصال هذه السياسات إلى بقية العالم .
أظهر ظهور عصر الإنترنت التوتر القائم بين الاعتبارات الأمنية والحريات الضمنية عبر الاتصال مثل حرية التعبير, لقد فاقم
الذكاء الاصطناعى هذا التوتر بالفعل مع وصول قدرات المراقبة والرقابة الحكومية المعززة إلى مستويات جديدة من
التطفل، لا سيما باسم الأمن القومي, حيث يتمثل التحدي الذي تواجهه السياسة الخارجية في عصر الذكاء الاصطناعى
في تعزيز أجندة مستنيرة حيث تستمر قدرات المراقبة والقدرة التنافسية المفرطة في الارتفاع .
وفي ضوء ما سبق، لن تكون السياسات الخارجية التي تستفيد من أدوات الدبلوماسية الحالية تشجع على التكيف المسؤول
والمدروس والمنهجي للذكاء الاصطناعى مقبولةً على نطاق واسع وأقل مقاومة فحسب، ولكنها ستحظى بفرصة أكبر لتحقيق الأهداف الوطنية, ويمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعى لتغيير العلاقات الدولية والسياسة الخارجية وتحويلها بالكامل ولكن سيكون هناك بعض المتطلبات التي يصعب الحصول عليها، لذلك يجب التعامل معها بحكمة على السعي لتحقيق كرامة الإنسان باعتبارها سيد جديد للإنسانية المتناقصة .
ويجب أن تكون حافزا لمزيد من التضامن العالمي وليس مصفوفة طاغية من الانقسامات السياسية أو الجيوسياسية الجديدة, وعلى الدبلوماسية أخذ مجموعة من الاعتبارات أولها كيف يمكن أن يحول الذكاء الاصطناعي البيئة التي تمارس فيها الدبلوماسية حيث اصبح الذكاء الاصطناعى أداة للممارسة الدبلوماسية, ويجب العمل على تطبيقات ذكاء اصطناعى تدعم عمل الدبلوماسيين حيث هناك أمثلة مثيرة للاهتمام في مجال معالجة اللغة الطبيعية يمكن أن تساعد الدبلوماسيين على الاستعداد بشكل أفضل للمفاوضات التى لها تأثيرًا كبيرًا على حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مثل التجارة، وحقوق الإنسان، والحريات وغيرها .
وهنا لابد أن تعي الدبلوماسية أنها بحاجة إلى أن يكون لديها وعي جيد بالذكاء الاصطناعي وادواتة وكيف يؤثرعلى ادارة شئون العلاقات الخارجية, وأخيراً يجب على وزارات الخارجية في إعادة بناء القدرات بحيث يكون لدى كل شخص فهم أساسي للذكاء الاصطناعى. الذكاء الاصطناعي يوفر للدبلوماسية قدرة كبيرة على توقُّع مسارات الأحداث على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية مما يساعد على اتخاذ القرار السليم على أساس معرفة دقيقة، سواء في مجال السياسة الداخلية، أو الخارجية .