قصة بعنوان ” المخرج عايز كدة “
كان ياما كان في احدي المدن النائية لمملكة معزولة عن العالم يجلس الجمهور من المشاهدين في إحدي مسارح المدينة في أنتظار
مشاهدة إحدي العروض المسرحية و فجأة يزاح الستار عن نجم العرض الذي كان فيما سبق شخص متسول يتخذ من الشارع و
بالتحديد عند مدخل المسرح مكانا يمارس فيه التسول بالقرب من شباك التذاكر حيث الزحمة ،، حتي يضمن تجميع أكبر قدر من
المال بدون جهد كل ليلة ! و في ذات يوم حدثت مفاجأة غير متوقعة أعتلي المتسول خشبة المسرح و قد اصبح هو البطل
و نجم العرض الأول ! و صفق له الجمهور بحرارة و لما لا ! فالحياة فرص و ها هى جاءت فرصته و ملأت صوره و إعلاناته
كل الأماكن في المدينة و لكن عليه ان يثبت جدارته ليستحق تصفيق الجمهور بعد انتهاء العرض الأول في حفل الافتتاح
! لكن المتسول الذي اصبح نجم بين ليلة و ضحاها لم يستطع ان يقنع الجمهور و كان العرض الأول له بائس و ضعيف
و تافه فلم يلقى استحسان الجمهور مما أضطره فيما بعد إحضار بعض زملاؤه من المتسولين بدون تذاكر للقيام بمهمة التسخين و التصفيق له بحرارة و الهتاف بعبارات الثناء
ليوهم الجمهور بأنه نجم بل أنه احيانا كان يقيم لهم الولائم بعد أو قبل العرض المجاني لأنه يطبق المثل القائل أطعم
الفم تستحي العين و هذه الطريقة مجربة و مضمونة و قد أعتاد عليها البعض لإقناع الجمهور بنجاح العروض الهابطة
! طريقة قديمة و مكشوفة لكن مازال البعض يستخدمها و يطور فيها ! على كل حال هذه المهزلة حدثت بمشاركة و
رضاء المنتج و المخرج و باقي طاقم العمل من الفنانين المشاركين في العرض لأنهم لم يقتنعون يوماً بأداء المتسول أثناء
البروفات عندما تم جلبه من الشارع عن طريق مخرج الروائع و مكتشف
العاهات و مع ذلك التزموا الصمت طمعا في ارضاء
المخرج الرهيب و مشاركة النجاح الزائف و لفت الأنظار حتى
و لو كان العرض بائس و حتى لو كان الجمهور معظمه من المتسولين
و بعض المشردين الذين يقومون بمهمة تسخين الجمهور ،
، و توالت العروض الهابطة لشغل خشبة المسرح بشكل
دائم و إزاحة من يعترض علي الوضع المهين أو يحاول تقديم فن حقيقي
أو يفسح لشخص موهوب الطريق فأصبح المجال
و المناخ العام غير مشجع و بالتدريج توارى و أحترق اصحاب المواهب الحقيقية
و من يستحقون النجومية ! احترقوا حتي
لا يملأ نورهم سماء المدينة و حتى يسود الظلام و تحل العتمة
و ينعم الخفافيش في هذا الظلام و بالفعل تدهور الذوق
العام و أعتاد الناس علي العروض البائسة في المدينة النائية ! و
في احدي الليالي دخل شخص عاقل القاعة و هو أيضا فنان
و موهوب و بعد أن قام بشراء تذكرة و كان هو الوحيد في هذه الليلة وسط هذا الجمهور الذي دفع ثمن حضوره
و الذي انتفض بعد مشاهدة العرض الهابط و قرر أن يسأل الحضور لماذا تشاهدون هذه العروض البائسة حتي أنه صرخ
بأعلي صوته و سمعه كل الجمهور و كل من علي خشبة المسرح من الممثلين
حتي من يقفون وراء الكواليس وصل اليهم صراخه
،، صرخ و قال ما هذا الإسفاف إحترموا عقولنا !
فأنهال عليه
الجميع بالضرب و أمروا بإخراجه حتي لا يعكر مزاجهم
و استمتاعهم بالظلام الذي يغوصون فيه و جاء أفراد الأمن
لإخراجه بعد أن هتف الجمهور بإخراجه مرددين بررررررة بررررررة
و وجد نفسه ملقي خارج المسرح بملابس ممزقة و جروح تملأ جسده الضعيف و توجه إلي مكان بعيد ليضمم جروحه
و يستعيد و يلمم نفسه و لأن عقله مازال يعمل و قلبه مازال ينبض
قرر أن يكون له دور في توعية الناس بعدم الاقتراب
من دور العرض البائسة عن طريق عمل عروض مسرحية في الشارع وسط الجماهير بدون إمكانيات كبيرة و بدون
خشبة مسرح و بدون تذاكر أو مخرج مشهور لكن بمساعدة القلة القليلة
من المخلصين أصحاب المواهب الحقيقية الذين
لم يجدون فرصة ،، و فعلا نجح هو و فرقته الصغيرة و أصبح له جمهور كبير جمهور حقيقي من كل الفئات و كل الاعمار و
استطاع أن يمس القلوب و بجذب الناس و ذاع صيته بما يقدمه من عروض رائعة و سمع به من قاموا بطرده من المسرح
فقرروا استقطابه و ترويضه و الاستفادة من نجوميته و تحقيق دخل بدلا من جمهور المتسولين الذي يملأ القاعات الفخمة
! و تخيل صاحبنا أن الحق اخيراً قد انتصر و أن الجيد طرد الرديء فوافق علي الفور حباً فى تقديم فن راقى متمسكاً بالهدف
و المعني و ليس سعياً وراء المال و توالت العروض لكن المخرج لم يعجبه الحال و لم يعجبه نوعية الجمهور المحترم و
استمتاعهم بالعرض ! و لم يرضيه أن هذا النجم صعب ترويضه و انصياعه للأوامر دون تفكير و هذا بالطبع يزعج المخرج
ذات الإمكانيات المتواضعة و ربما تنفلت منه الأمور و لا يستطيع ان يسيطر علي باقي المشتركين في العرض كيفما شاء
! او ربما أنتشرت عدوي التنوير ! و بدأ يطلب من النجم اللامع أن يغير في أداءه و في مضمون ما يقدمه و لا يحيد
عن الدور الذي رسمه المخرج له فامتنع النجم و رفض تنفيذ أوامر المخرج ! فقام المخرج بطرده مستحلفا إياه و متوعداً
بعدم العمل في اي مسرح آخر ،، و أمر المخرج المساعدين ان يأتوا له بالنجم المتسول القديم أو أي متسول آخر
ليقوم بدور البطولة و ذهب النجم الموهوب يطرق كل الأبواب و لكن لا أحد يقبل ان يتعاقد معه خوفا من المخرج البائس
ذائع الصيت ! صاحب النفوذ الواسع و المقرب من حاكم المدينة ! و فكر النجم ان يعود لعروض الشارع وسط الجمهور
الذي أمن بموهبته و ذهب و ترك كل المسارح و القاعات الفخمة ليقدم عروضه في الشارع بعيدا عن المخرجين
و المنتجين الذين تخصصوا في الإسفاف و التفاهة إلي أن سمع بقصته حاكم المدينة فأرسل له أحد أفراد الحاشية المقربين
ليأتي به للقصر و يشاهد بنفسه العرض الذي ابهر العامة و أصبح حديث كل الناس مما اثلج قلب النجم و أسعده كثيرا
فمن ذا الذي لا يلبي طلب الحاكم ،، و ذهب الي قصر الحاكم و لم يخرج من وقتها إلي الآن ! و يقال انه أصبح وزيراً للفنون
و لم تصبح دور العرض المليئة بالفن الهابط من أولوياته بل أنه هو من قام بقص الشريط لقاعة جديدة ضخمة تستوعب
أكبر عدداً من المتفرجين المغيبين تقدم عروض تافهة بطلها متسول لنفس المخرج إياه صاحب الأعمال الهابطة الذي
قام بطرده عندما كان يقدم الفن الهادف قبل ان يكون وزيراً ،، و بعد أن أصبح وزيراً للفنون و للعروض الهابطة
فقد تغيرت أولوياته تماماً و لم يتذكر الظلم الذي تعرض له و لم يعد له رسالة او هدف ! بل أن المخرج المتخصص
في قتل المواهب و تدميرها أصبح من اقرب المقربين له و عينه نائباً له في وزارة الفنون ليصبح شعار الوزارة لا حياة بدون
مجون و من وقتها حتي الآن لم يظهر نجم أو بطل حقيقي فى المدينة
التي اصبحت وجهة للنصابين و المدعين و حلم لكل المنحرفين حول العالم !