.. التـوافـق المطلـوب ..
. بيـن المهمـة الثقافيـة والمهمـة السياسـية .
مما يؤسف له ان الكثير من العاملين في الحقل السياسي والحقل الثقافي تختلط عليهم الاوراق حتـى امسـوا ينظرون
لكلا المهمتين بـمنظار واحد دون ادراك المكونات التي تفصل بينها ودون الاخذ بنظر الاعتبار المعيار الحقيقي لهذا التصنيف
الذي قد توضع عليه بــصمة اكاديمية او اخرى سياسيـة .. ونحن نعترف ان هناك اكثر من قاسم مشترك بينهما
يجب ان نؤكد على تقويمه وارساء ثوابته والعراق يمر بــادق واصعب الظروف .
. ان الاستخدامات السلبية او الايجابية لطبيعة هذا العمل هي احدى تلك القواسم وان المختصين يدركون تمامآ مانقول ..
ولاغرابـة في عدم ادراك العموم لما نقول . فهم يعتبـرون من يستطيع على الخطاب الثقافي ووضع صيغته
ومفرداته بشكل تقني وفني انه . سياسي وانه قادر على مخاطبته وعمل المكونات السياسية او انه قادر على ان يكون في
.. القـيادات العليا لها .. وهذا ينطبق على السياسي ايضآ . وقد يغيب عن البصر والبصيرة ان هناك ترعة ثقافية
وان هناك ( ان صح التعبير مجازآ ) نخبة ثقافية . علمآ اني لا اعترف بالنخب . ان هذا الجمع لايمكن التنبـؤ بسلوكهم الخاص
والعام ولا يمكن اخضاعهم لمبدأ او عقيدة ثابتة وان كان ذلك بـالامكان فانهم يصنفون ( بالتقليديين ) او ( الوارثين)
كثقـافة الاداريين والاساتذه والمعلمين ورجال الدين اولئك الذين ارتبــطوا ارتبــطآ عضويآ ببعض الثقافات التقليدية
او المطبوعة او المتوارثة والبعض منهم بمدرسة فلسفية معينة فلا يسـتطيع الحياد والخروج عن هذا الخزين الفني المختزن
.. بعض المثقفين يهدفون الى بـناء مكونات اساسـية او حـركات اجتماعية يحيطها بشبة وتشكيلة من الثقافة
او الثقافات التي يعتقد انها تخدمها فيقع في المشكل السياسي كما يقع السياسي في المشكل الثقافي عندما يحــاول
ان يخترق الخطوط الحمراء لقدراته الثقافية فينكشف للجمهور انه مفرغ ثقافيآ
ويقع كالمثقــف في نفس المطب وفي هذه الحتالة تسيطر رومانسية العمل على كليهما ..
وقبـل ان ابـحر فـي هـذا الموضـوع :
اضرب مثلآ بسـيطآ توضيحيآ . فكم نعجب بنجم رياضي او نجم من عالم السينما
او .. او .. او .. ولكن في احدى الاستضافات التلفزيونية وامام كامرة التلفزيون ومحاور مثقف تتغير وجهة نظرنا
عليه وقـد تـقل قـاعدتة الجماهيرية والمحبين له يقولون ( انه ممثل كبير ) وان ماحدث لايضره بشئ .
اقول نلمس ان هذا النجم السينمائي مفرغ ثقافيآ . اعود لاقــول ان التطورات التاريخية التي حدثت في العالم
وخاصة في القرن العشرين والذي بعده ادت الى ان يفقد المثقف الشمولي مكانته
الى المثقف المختص حيث ظهرت مستجدات ومسميات متعددة مثل الاستعمار الحديث وصراع الحضارات
(كما يقولون) والسامية والنازية والشيوعية واللبرالية والثورة والسلطة ..
كانت الثورة الفرنسية احدى اسباب هذا التحول الثقافي واصبحت هناك محطات خاصة مما يسمى (بصناعة المعرفة)
ووضع القواعد الرئيسية لثقافات كانت لابد ان تظهر لخدمة طبقة جديدة او فكر معين او مؤسسة
جديدة وهذا ضرب من (المودة) كما نؤكد لكم ان هذا الامر ادى الى اختلاف المثقف والسياسي غاندي رحمه الله
مع تولسـتوي ومع رومان رولان رغم تطابقهم في كثير من وجهات النظر التي تخص
الانسان وفلسفة السلام .. كذلك اختلفت المس بيل (السكرتيرالثاني) في السفارة البريطانية
حتى مع (بيرســي كوكس) ولما كادت المؤسسات الدينية تفقد زمام الامور انبرى مثقفون خاصون جمعوا بين الثقافة
الدينية والثقافة السياسية وابدعوا في خلق اسلوب معياري جديد متوازن ومفردات العصر المتصارعة . وكل هذ
ا لان الثقافة في هذا القرن والذي مضى اخذت تضم تشـكيلات كبيرة والجميع مثقفون من مذيعين وخرجين وصحفيين
ومراسلين وحــتى من يصمم الازياء . كذلك المحامون والمعلمون وجميع العاملين في الحقــول الاعلامية والمهنية
الوظيفية التي لها علاقة بالثقافة وحقوق الانسان والمطبوعات وما شابه واصبح المثقفون يملكون الدور الريادي
في اشغال المجتمع بـدل الطبقـات الاجتماعية في القرون الماضية .
والسـؤال الـذي يطـرح نـفسه عليـنا هـل ان ماتقـدم يشـمل العاملـون فـي الحـقل السياسـي ؟؟ وهـل حـقآ ان هـناك
نخبـة مثقـفـة ؟؟ وهـل هـناك خبـراء فـي السياسـة ؟؟ وهـل نستطيـع ان نمـع بيـن المهمتـين ؟؟
اني اجيب على السؤال الاخير الذي اسعى الى تحقيقه لاهمية وجوده وابداعه وان هذا يتحقق اذا تنازل المثقـفون
عن ( الانا ) وعن الرومانسية التي تسيطر عليهم في العمل .. اما الجواب العام فيقــولان المثقفين ماعادوا يخاطبون
الناس اجمعين ولا يهمهم مسألة شعب بكامله وانهم تحولوا الى مايسمى (بالخطاب النقدي) وان اكثرهم قد توحدت خطاباتهم لا بل اصبحت متخصصة
ومستخدمة كمن قبل غيرهم .. ما اهل السياسة فلا بـد ان يملكوا شئ في الثقافة لايشترط بها الاختصاص او الشمول
بقدر مايشترط بها القدرات الابداعية العلمية والعملية والفنية والتقنية والقدرة على المحــاكمات
الاستراتيجية والقدرة على القراءات واستيعاب ميع اللغات على الساحة
السياسية لان السياسة (فن وتقنية) وقدرة الاحتفاظ (بالاستراتيجية المركزية) وخلق استراتيجيات جديدة ومتحركة ..
ان هذا لايحصل بشكل روتيني او دراسي ولكن عبر قنوات نظالية دقيقة للغاية يطلقون اصواتهم ويعلمون ان اللعنات
ستنصب عليهم والاقلام ستنبـري لهم . لكنهم شجعان لا يبالون فقد حدد الهدف ووضعت السبل والطرق والاستراتيجيات
القادرة على الوصول وهكذا فان السياسة لعبــة وقــدرة الفن والذكاء والشــجاعة ..
وعندما اســت دولة (التكنوقراط) في احدى المقاطعات الامانية بعد الحرب العالمية الثانية سقطت بعد ستة
او سبعة شهور ووقعوا في الخطأ الذي اشرنا اليه لانهم غير سياسيين .. من هذا يتضح لنا ان العلم والثقافة والسياسة
يجب ان تجتمع . وانا اعترف ان هناك مثقفون سياسيون وتؤكد الدراسات الخاصة (بالمثقف السياسي)
ان عليه ان ينتقل الى المعرضة وان يعمل باجتهاد وتضحية من اجل جميع الناس لان المثقف يحمل جميع التناقضات
التي يجب ان تكون في كل مجتمع وهذا حـق في النظم الديمقـراطية وعليه ان يعلم انه يمل اجندة سياسية عامة
ومفهومآ للحرية يرتبط لا علاقات الاجتماعية والدينية والطائفية والطبقية لان الحرية تعبر بـعد ذاك عن فكر الدولة
وايديولوجية قياداتها ومكوناتها الرئيسية وهذا المفهوم يحدده الزمان والمكان ..
ومن هذا يتضح استحقاق المثقف السياسي في الدور الريادي لقيادة المجتمعات لانه لا يسعى ابدآ للوصول الى السلطة
كما يسعى الى رفض العنف والارهاب والترويع ويعمل من اجل البــناء الديمقراطي
لانه الاقدر على الحوار والمحـاكمات وهذا لا يعني انه لايؤمن بالكفاح المدني والسلمي والذي هو الاقوى في تحقيق
الطموح الوطني في حالة توفر البيئة والمناخ القانوني الصحيح والاستجابات الايجابية لهذا العمل وعدم سد منافذها وقنواتها ..
وهكذا يكون السياسي اقدر من المثقف في وعيه وادراكه بتشابك وتلازم جميع الظواهر في الحياة وخااصة
السياسية منها والاجتماعية والتربوية ويعتبرها متداخلة يؤث بعضها بالبعض الاخر عندها يكون لزاميآ عليه ان
يدرك مهمة الترابط الجدلي الذي يقوم على القناعة بتلازم وتشابك المكونات الاساسية ويكون قادرآ على استيعابها
وحلها ويعمل بما يملك من سبل للوصول الى دست الحكم .
. والذي نريد قوله وما يمليه علينا العمل السياسي لا الثقافي ان تكون مع ولادة الدولة الجديدة والاخذ بيدها
حتى نتحقق من صحة النتائج المقترنة بفعلها السياسي والاقتصادي واذا تركنا السياسة او جمعنا بينها وبين الثقافة
فما علينا الا بولادة مكون جديد يكون قادرآ . ان كان يملك الثوابت والمستلزمات الثقافية والتقنية السياسية . قادرآ
على الحوار العاكس ورفض كل السلبيات مثل الحصصية في الوزارات والفساد الاداري وعدم وجود الرجل المناسب
في المكان المناسب ويدافع عن تغيب المكونات السياســية الوطنية واستبعادها وان يطلق الصيحات المسؤولة
هنا وهناك ويتوجه بخطابات سياسية وثقافية ومركبة باسلوب معياري جديد يكون فيه قــادرآ على تحريك بنص الشارع
واحتواء الهمم الوطنية وبرمجتها من اجل العمل الجاد الموضوعي ..
كل ذلك من اجل العدالة والامن والاقتصاد ومن اجل العراق ووحدته ارضآ وشعبآ ..
الدكتور . علي محمود السبعاوي . الامين العام .
الحزب الوطني العراقي للتغيير .
. المعارض
ورئيس المجلس الاعلى للحراك الشعبي الثوري بالعراق
E.mail : alimahmoodalsabawy67@yahoo.com