كتب – محمود الهندي
دائما ما تستوقفنى العروض المسرحية التى يقدمها المبدع خالد جلال داخل مركز الإبداع وحالي كحال الغالبية العظمي
من متابعى المسرح يدركون جيدا أنه بمثابة مفرخة حقيقية للمواهب يعمل على فن صناعة النجم وتسويقه ويقوم بما نفتقده
في المؤسسات الرسمية المعنية بتدريس الفنون المسرحية سواء باكاديمية الفنون او أقسام المسرح بالجامعات
لنجد أنفسنا أمام مركز إبداع للفنون بكافة أشكالها يقدمها بطريقة علمية وعملية اثبتت نجاحها حتى اننا نجد بين
مبدعيه في كل دفعة خريجين ودارسين للمسرح اكاديميا .
وقد حرص د اشرف ذكى على حضور عروض مركز الإبداع خير دليل على دورمركز الإبداع وخالد جلال في تكامل وعدم
تعارض بين الأكاديمية وابداع خالد جلال وهذا ما لمسته طوال سنوات من متابعتى المستمرة لكن استوقفتنى
هذه الدفعة لمركز الإبداع فوجدت نفسى أمام ما يزيد عن ستين ممثل على مسرح العلبة وهذه كانت أولى المفاجأت
وبعدها توالت المشاهدة باستمتاع شديد فالمخرج وظف الفكرة بطريقة ناعمة وسلسة استطاع من خلالها إتاحة الفرص
لكل ممثل ان يعرض موهبته بانسيابية وإتقان متناهى في مشاهد سريعة ومدهشة فبدأها بحداد على زمن السينما الجميل
الذى افتقدناه وتربينا عليه ورجع بنا بالذاكرة لأيام سينما الأبيض والأسود من خلال سيدة الشاشة فاتن حمامة والمبدع
محمود مرسى الزوج المستغل الطامع في جسد واموال نادية والعبقرى احمد مظهر الطبيب النفسى الذى يحاول علاج نادية
في فيلم الليلة الأخيرة الذي تم إنتاجه في الستينات للمخرج كمال الشيخ
لنجد ان نادية برهام صادق ليست وحدها من فقدت الذاكرة بل فقدها مجتمعنا والسينما والفن المصرى .
ومن هنا انطلق المخرج بكتيبة الفنانين الابطال لان كل فنان منهم
هو بطل على الخشبة داخل العرض فيأخذنا فى البداية في رحلة البحث معهم لتتذكر او بمعنى أدق لنتذكر زمن الفن الجميل
الذى افتقدنا فنغوص معهم في رحلة ممتعة لاشهر مشاهد السينما المصرية مصحوبة ليس بالتمثيل فقط بل بالغناء
لمواهب تتمتع بأصوات ذهبية تتغنى أمامنا لايف لاشهر اغانى المشاهد التمثيلية احيانا كثيرة بدون موسيقى لتأتى معبرة
عن وجدان وباطن الحالة على الخشبة كما حدث فى معظم المشاهد المقدمة بدأها بمشهد غنائى للثلاثى بأغنية حلاوة شمسنا
التى قدمتها الفنانات الثلاثة ببراعة شديدة اخذتنى لزمن الفن الجميل الراقى والفن الشعبى حين وظفهم المبدع محمود رضا
في عروض فرقته في الستينات فيأخذنا المخرج في لمحات سريعة ورشيقة من مشهد لآخر بين التراجيدى والكوميدى
والاستعراضى بدون لحظة ملل واستطاع المخرج ان يفرش للعرض بمشهد أراه كان لعرض مواهب الفنانين كبطاقة
تعارف فكل الممثلات كانت نادية برهام صادق وفوزية والخياطة وكل الممثلين كانوا الزوج والطبيب النفسى والخطيب
في تركيبة سمحت لنا بالتعرف المبدئى على الوجوه المشاركة .
وانتقل بنا بعدها المخرج وفريق ابداعه إلى مقاطع من أجمل مشاهد السينما المصرية فتميزت الفنانة الموهوبة
غادة طلعت في تجسيد مشهد للعظيمة سناء جميل في الزوجة الثانية حيث استودعت روح جميل في تجسيد المشهد
فاخرجت الممثلة بداخلها دون أن تقع فى مأزق مقارنتها بسناء جميل كذلك وجدناها الكوميديانة مارى منيب
ثم مشهد حرق البلح انتقال ونقلات للفنانة الشابة استوقفنى أمامها كثيرا خاصة وانها المرة الأولى لها التى تقف
على خشبة المسرح وايضا استوفنى الفنان الذى جسد شخصية شرفنطح في العرض وهو أيضا والمطربة التى غنت
اغنية فيروز الشهيرة معايا ريال فكانت لا تغنى وحسب بل تمثل أيضا على الرغم من وجود ممثلة تجسد الشخصية
واقرب جسمانيا لفيروز في فيلم دهب الا ان الفنانة المطربة التى تعمد المخرج ان تغنى بملابس فيروز وليس كباقى
المطربات شدت الانتباه إليها وكانت بطلة المشهد بحق كذلك الممثلة التى جسدت شخصيات للفنان زينات صدقى فى
مشاهد مختلفة وأداء الممثلات في مشهد عرق البلح مشاهد كثيرة وفنانين اكثر لا توجد مساحة كافية للحديث عنهم
ولكن اعتقد ان الايام القادمة سيجدون مساحة للتحدث عن كل فنان على حدة للكتابة عنهم من خلال الأعمال
التى سيشاركون بها فهم فنانين سيثرون الحياة الفنية قريبا ولا تستطيع كتابتى ان تفيهم حقهم الذى يستحقونه
فقد وضعونى و دون أن أشعر انتقل من حالة لأخرى دون انتظار او ملاحظة تبديل من مشهد لآخر اما عن الغناء في
العرض فقد استخدم المخرج ووظفه بطريقة جيدة وصنعت هارمونى شديد العزوبية وتدريب رائع المطربات
باصواتهم الذهبية خاصة في اغانى عرق البلح وبانو إضافة إلى الكلمات التى تغنو بها بدون موسيقى وساهمت
في سلاسة الانتقال من مشهد لآخر اما الملابس كانت تتناسب مع حالة الحداد التى نعيشها عن حال السينما المصرية
الان وتراجعها عن ايام العصر الدهبى لها فكانت الملابس السوداء المتسحة بخيوط ذهبية ترمز للعصر الذهبى
للسينما وسط السواد الاعظم الذى نعيشه فنيا الا ان تتحول فى نهاية العرض بعد أن تسترد نادية ذاكرتها دعوة للأمل
في أن تسترد السينما المصرية ريادتها فتتحول ملابس الممثلات إلى الرداى الفرعونى بالوان الزاهية رمزا لعظمة الفنان
المصرى وقدرته على استعادة ريادته الفنية اما عن الديكور المستخدم كان بسيطا للغاية بحيث ساهم في سهولة
التنقل من مشهد لآخر بطريق سلسة وبسيطة تتناسب تماما مع طبيعة العرض وتعدد مشاهده وعدد الفنانين على الخشبة
وهنا تأتى التحية للجندى ولكن المعلوم المخرج المنفذ للعرض علا فهمى التى ساهمت بشكل ملموس في العرض
وجودتها دينامو في تبديل الديكور وخروج ودخول الممثلين لحسن حظى لجلوسى على الكرسى الاخير في الصف لاشعر
بحركات خفيفة لها ولم تقلقنى او تشتت انتباهى أثناء المشاهدة خاصة مع شخصيتى التى تفضل التركيز وعدم المقاطعة
أثناء المشاهدة فتحية لكل عناصر العمل وقائدها المايسترو خالد جلال وللحديث بقية .