رحلة الحياة ….
حينما استقل قطار العمر في رحلة الحياة التي قد تطول وقد تقصر ، لم يمنعه هدير القطار عبر السهوب والوديان
والطرقات المختلفة ، لم يمنعه ذلك من التأمل ، واستعراض شريط الأحداث التي يأسف لبعضها ، ويفخر
ببعضها الآخر. وعلى رغم أن القطار لا يعود للوراء، كان يعود بذاكرته للوراء،
وفي بعض الأحيان كان يُغمض عينيه وكأنه يعيش الحلم ، وكم يبدو الحلم جميلاً وإن لم يتحقق.
في مقعده جلس يراقب عبر النافذة تلك السهوب والجبال والوديان، ذلك التناغم ما بين البر والبحر وما بين موجات
البحر الهادرة التي على رغم مرور السنين لم تجرف رمال الشاطئ الناعمة، هذا التناغم هو سر من أسرار الطبيعة العادلة
التي لم تتغير، ولكن للأسف نفوسنا نحن البشر هي التي تتغير بمجرد منصب جديد او ترقية او اقتناء ما لا يستطيع الكثير
من الاشخاص اقتنائه ، او بسبب زيادة رصيدنا في البنك ، ولكن ماذا عن رصيدنا في العلاقات الإنسانية. معالمنا
تتغير مشاعرنا تتغير بمجرد ارتداء ماركة من قماش سرعان ما يهترئ.
وكم تصبح بعض الـ ” كلمات ” أقوى من الـ ” لكمات ” وكأننا في حلبة مصارعة.
عيوننا باتت خاوية تحدّق بلا بريق ، ودون أن تفصح بما يجول في القلب الذي كساه الصدأ .
قلوب تحجرت وبات صرير مفاصل أبوابها صارخ لأن القلوب لا يسكنها أحد.
من أمسكتَ بيده ذات يوم ليعبر من ضفة إلى أخرى ، لم يعد يلوِّح لك ولَوْ من بعيد ،
ومن تسلّق فوق كتفيك لم يعد يراك
، وكم من أشخاص قد عبروا فوق هذا الجسد وكم من وقت مضى تصغي لهؤلاء الذين باتوا في محطة باتت للنسيان.
تداعيات عديدة وصور عتيقة ، وفي كل عتيق قيمة مضافة متزايدة
، لا نشعر بقيمتها إلا بعد مرور الزمن ، وبعد أن نفتقدها ، كما الماء لا نشعر بقيمته إلا بعد أن يجف النبع .
شيئاً ما كان يتحطم في أعماقه ، وفجأة تلاشت الذكريات
بعد أن أيقظه صفير القطار ايذاناً بمحطة للانتظار لا بد قادمة .
نبضة ” يقطع القطار المسافات الشاسعة غير آبه بالحديد تحت عجلاته “.
همسة ” كم نحن بحاجة إلى محطة للانتظار ، و إلى جرس إنذار
ليوقظ الروح المتعبة . وكم نحن بحاجة إلى تلك المحطة
لإعادة ترميم ما يمكن ترميمه من نسيجنا الإنساني ، وكم نحن بحاجة
الى أن نُبحر في العمق حتى نكتشف أنفسنا في عيون الآخر
لبنى زيدان