المقال رقم ١
بقلم /د.عدالله السعدنى
“باحث بكلية الدراسات الشرقية -جامعة سانت بطرسبورج الحكومية – روسيا الاتحادية”
نبدأ اليوم عرض لكتاب من وجهة نظرى المتواضعة من اهم الكتب التى تناولت نشأة التنظيمات الاسلامية فى الدول العربية
والاسلامية والعلاقة بينها وبين التنظيمات الاسلامية فى مصر.الكتاب تحت عنوان “Holy War” الحرب المقدسة للكاتب والصحفى الألمانى
“Wilhelm Dietl” الذى حاول دراسة الظاهرة الاسلامية فى
شكلها السياسى، فأصدر هذا الكتاب باللغة الالمانية عام 1984 وترجمته الى الانجليزية مارتا همفرى.
الكتاب يتتبع حركات البعث الاسلامى أو الصحوة الاسلامية، دعاتها وتنظيماتها، منذ ظهور ابن تيمية فى ق13، حتى
أبو الاعلى المودودى ومريديه فى نهاية السبعينات من القرن الحالى، وإلى الآن.طاف مؤلف الكتاب معظم العواصم
العربية والاسلامية فضلاً عن الأوروبية من أجل جمع مادة هذا الكتاب، والتقى بالعديد من زعماء التيار الاسلامى
وتنظيماته المختلفة فى هذه العواصم، وبالزعماء المسلمين والسياسيين بصفة عامة، وقذفت به رحلاته احياناً إلى
بؤرة الاحداث الساخنة. فقد وجد نفسه مثلاً – كما يقول – فى القاهرة يوم اغتيال الرئيس السادت، وزار عمر التلمسانى
، وقابل زينب الغزالى مرشدة الأخوات المسلمات، وفضيلة الامام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق، والتقى
فى باكستان بالشيخ قاضى حسين أحمد سكرتير عام جماعة الاخوان هناك آنذاك، ومع الدكتور صادق طابا طابى أحد
مستشارى الخمينى فى إيران، وسالم عزام السكرتير العام للمجلس الاسلامى فى أوروبا. وبعشرات غير هؤلاء من السياسيين
امثال ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، ومن الكتاب الصحفيين محمد حسنين هيكل. وضع وليام ديتيل
المادة التى جمعها من كل هذه المصادر، ومن قراءاته فى هذا الكتاب الذى احتوى على 350 صفحة.
“أسرار القوة الخفية”
لان الموضوع شديد التعقيد، والمساحة الزمنية التى حاول المؤلف ان يغطيها شديدة الاتساع، فضلا عن المساحة
الجغرافية التى تكاد تشمل كل دولة فى العالم يوجد بها مسلمون. ثم لان المؤلف يوجه كتابه اصلا الى القارئ الغربى
الذى يفتقر الى ادنى حد من المعلومات حول الإسلام: الدين والدولة، او يفترض المؤلف، على الاقل، انه كذلك
، فقد جاء الكتاب مليئا بالمعلومات التى يبدو لكثير منها بالنسبة للقارئ العربى من البديهيات، اذ لا يعقل ان يعرف القارئ
المسلم مثلا اركان الإسلام الخمسة من كتاب المانى مترجم الى الإنجليزية. او يبحث القارئ المصرى
عن تاريخ حسن البنا وحياته، فى بضع صفحات جمعها صافى المانى للقارئ المصرى بلغته العربية. وبعض شهودها أحياء ومازالوا يسعون بيننا.
قيمة الكتاب إذن، بالنسبة للقارئ المصرى على الاقل، تكمن فيما يقدمه من معلومات حول نشأة الكثير من التنظيمات
الإسلامية فى الدول العربية والإسلامية، والعلاقة بينها وبين التنظيمات الإسلامية فى مصر، والتوافق الزمنى فى ظهور
بعض الحركات، او وقوع بعض الأحداث.مؤلف الكتاب حاول بصدق، مبهورا او مأخوذا، ان يعرف سر تلك القوة الخفية
التى تجعل مثلا هذا الطوفان البشرى من المسلمين الإيرانيين يلقى بنفسه فى أتون الحرب مع العراق وهو يعرف
باليقين انه ذاهب الى جبهة القتال بغير رجعة. وان يتعرف – كما يقول- على ذلك السر الذى جعل أحد المجاهدين
الأفغان يقول له عندما التقى به فى أفغانستان (اننا نحب قتل الروسى، ونحب أيضا ان نقتل).”التقدم بالعودة للوراء”
يقول المؤلف” ان حركة البعث الاسلامى او الصحوة الإسلامية ظهرت فى مواجهة الضعف والتدهور الذى اصاب
العالم الاسلامى فى ظل الاستعمار الغربى، وان جوهر الحركة كان التحصن بالاسلام الحقيقى فى مواجهة زحف الحضارة
والقيم الاوروبية على الشرق، وان منهاج هذه الحركة، كان التقدم عن طريق العودة إلى الوراء. اى انه من أجل ان
يقوى الاسلام لان من العودة إلى اصوله الأولى وهى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وقد شهد القرنان
18 ، 19 مظاهر هذه الحركة ورموزها، فظهر محمد بن عبدالوهاب فى الجزيرة العربية (1730 – 1787) وكان متأثرا
بابن تيميه وأسس المذهب الوهابى، وساهم هذا المذهب فيما بعد فى ظهور الحركة المهدية فى السودان
، والسنوسية فى ليبيا وتحولت حركة البعث الاسلامى الى حركة عامة تشمل جميع الاقطار الاسلامية وتتلازم مع الحركة
الوطنية لمقاومة الاستعمار. ففى السودان، ظهر محمد أحمد محمد المهدى، مؤسس المهدية، فى نفس الوقت الذى ظهر
فيه أحمد عرابى فى مصر. وفى ليبيا، ظهرت السنوسية على يد محمد السنوسى، الذى ولد فى غرب الجزائر، عام 1787
وتنقل ما بين الأزهر ومكة وبنى غازى فى ليبيا، والجزائر، وواصل ولداه محمد المهدى ومحمد الشريف دعوته
من بعده. وفى الجزائر، ظهرت القادرية نسبة الى زعيمها عبدالقادر الجزائرى الذى قاد حركة المقاومة ضد الاحتلال
الفرنسى فى القترة من 1830 إلى 1847 وكانت دعوته، أحدى الأسس التى انطلقت منها الثورة الجزائرية فيما بعد عام 1954.
وفى آسيا الاسلامية، ظهر جمال الدين الافغانى الذى ولد عام 1838، ورشيد رضا الذى ولد عام 1865 فى سوريا،
و محمد اقبال فى باكستان (1877 – 1938)، ومحمد عبده فى مصر (1849 – 1905).وحتى هذه اللحظة كانت
الحركة الاسلامية حركة اصلاحية يتزعمها فقهاء ومصلحون اجتماعيون، هدفها تخليص الاسلام من عوامل
ضعفه، وتخليص الاقطار الاسلامية من الاستعمار الغربى، دون أن تتخذ اشكالاً حزبية أو تنظيمية.
العنوان
القادم سيكون “أول تنظيم” نتابع فيه أول شكل تنظيمى دقيق للحركة الاسلامية.