كتب /أيمن بحر
تتهم الولايات المتحدة إيران بالهجوم على ناقلتين للنفط فى خليج عُمان، فما مدى مصداقية مزاعم واشنطن؟
وهل يمكن أن تقف أطراف أخرى وراء ذلك؟ الصحفى والخبير بشئون الشرق الأوسط بمؤسسة DW الإعلامية
راينر زوليش يكتب وجهة نظره.
مقطع فيديو ضبابى بالأبيض والأسود نشره الجيش الأمريكى
يظهر فريقاً مزعوماً من الحرس الثورى الإيرانى فى قارب سريع فى خليج عُمان ووفقاً للرواية الأمريكية، فإن جنود النخبة
الإيرانيين يقومون بإزالة لغم لم ينفجر من هيكل ناقلة النفط “كوكوكا كوراجيوس”، وتزعم الولايات المتحدة أن إزالة
هذه القطعة (اللغم) من قبل الإيرانيين دليل على أن طهران تقف وراء الهجوم
على السفينتين فى خليج عُمان، وهذه -على الأقل- هى وجهة النظر الأمريكية الرسمية.
هل يشبه هذا مسلسل “غان سموك” (دخان النار) الشهير، من حيث أنه “الدليل” الذى يدين مرتكب جريمة وقعت
حديثاً، ويمكن أن يبرر الإنتقام العسكرى من الناحية السياسية؟ هل يمكننا تصديق محتوى الفيديو وقصته التى قدمتها الولايات المتحدة؟
الشكوك فى الإدعاءات الأمريكية منطقية، لأن الحرب على الدكتاتور العراقى صدام حسين عام 2003 إستندت بالكامل
على ادعاءات خاطئة للحكومة الأمريكية وقتها، ويضاف الى ذلك أننا نعيش اليوم في عصر رقمى بشكل متزايد،
حيث أصبح التلاعب الإحترافى بمقاطع فيديو وأدلة مشابهة أسهل مما كان عليه فى ذلك الوقت، للوهلة الأولى يبدو
من غير المنطقى أن إيران (وحتى الجناح المتشدد فيها) تقدم للولايات المتحدة، وعن طيب خاطر، سبباً ممكناً لحرب
لا يمكن أن يخسر فيها الا طرف واحد فى ضوء توازن القوى العسكرية، وهى إيران نفسها.
الصحفي والخبير بشئون الشرق الأوسط بمؤسسة DW الإعلامية راينر زوليش
من ناحية أخرى يشير خبراء الى أن الحرس الثورى الإيرانى لديه بالفعل “خبرة” فى التعامل مع الألغام الملتصقة،
وأن طهران هدّدت فى الماضى عدة مرات بتعطيل حركة ناقلات النفط، الهامة للإقتصاد العالمى وبشكل خاص لتجارة
النفط الخام، فى مضيق هرمز، وذلك فى حالة إندلاع نزاع، ويمكن –بحسب الخبراء- رؤية وتفسير الهجوم على ناقلتى
النفط بأنه محاولة إيرانية لعرض عضلاتها العسكرية والإظهار للولايات المتحدة بشكل خاص ما يلى: لدينا أساليبنا الخاصة
ولن ندعكم تتغلبون علينا!
لكن هذه مجرد تكهنات، مثلها مثل التكهنات البحتة المعاكسة
التى تفترض وجود مؤامرة أمريكية أو سعودية أو إسرائيلية وراء الهجومين، كما تشير القيادة الإيرانية، وكما يقول
العديد من الناقدين لأمريكا فى المانيا والدول العربية من خلال تعليقات كثيرة على وسائل التواصل الإجتماعى.
صحيح أن الدوافع المحتملة لخلق “ذريعة للحرب” عن طريق التلاعب كثيرة، فى ضوء السياسية الخارجية والمصالح
الإستراتيجية للولايات المتحدة، ولإسرائيل ودول الخليج أيضاً. لكن هناك الكثير من الدوافع المعقولة المعاكسة
للدوافع السابقة أيضاً، ليس آخرها ما يتعلق بالرئيس الأمريكى.
فمن بين دوافع إنتخاب دونالد ترامب رئيساً من قبل أنصاره هو سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط
، لكن حرباً ضد إيران ستكون لها خسائر ولن يمكن الإنتصار فيها ممكناً دون قوات برية، وإذا قتل جنود أمريكيون
فيها فلن يزيد هذا من فرص ترامب لإعادة إنتخابه فى نهاية عام 2020.
فى النهاية تبقى حقيقة مرّة بخصوص الذين يقفون دائماً وراء الإستفزازات فى مضيق هرمز، بكل تأكيد هناك حالياً
فى منطقة النزاع قوىً تسعى الى الحرب، بخلاف العقلانية السياسية والإنسانية، وهى تدرك مخاطرها، أو فى أسوأ
الأحوال تسعى الى الحرب حتى كـ”حل” لصراعها مع الجانب الآخر، ويجب التحذير من هذه الأطراف، من المحتمل
أن تكون لأى حرب فى الخليج عواقب وخيمة على العديد من دول المنطقة، خاصة تلك التى تنشط فيها الميليشيات
العسكرية الممولة من إيران، مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
ومن المحتمل أن تتأثر إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أيضاً بالحرب، وتتعرض
الأخيرتان بالفعل لهجمات من قبل الحوثيين الذين تدعمهم إيران فى اليمن، مثل هذه الحرب سيكون لها خاسرون فقط،
يجب القيام بكل شئ لمنع ذلك، أيضاً من قبل المانيا وأوروبا بأدواتهما المحدودة، ومع ذلك، يجب أن نخشى أن الحرب، التى يفترض أن لا أحداً يريدها، تزداد إقتراباً.