متابعة /أيمن بحر
التغيير بمفهومة البسيط هو إجراء تحسينات على البيئة والمجتمع؛ سواء كانت هذه البيئة عملية أو اجتماعية
أو سياسية أو تجارية، وصانع التغيير هو الشخص الذي يقود هذه المجموعة إلى التغيير بعد أن يقنعهم بضرورة
التغيير وميزاته وأهميته، لذا فإن هذا الشخص يُعتبر بيدق التغيير الذي يُراهن عليه لوح الشطرنج بكامله.
وقيادة التغيير
مهمة ليست بالسهلة ولا البسيطة، إنما هي عملية معقدة جدًا وقلما ينجح بها القادة؛ لأنهم غالبًا يتخذون موقف المُقاتل
المُستميت لفكرة التغيير، ويحاولون إجبار المجموعات عليها من منطلق “إما أنا أو أنت” وهذا الأسلوب بالطبع خاطىء
لأن قائد التغيير مقتنع تمامًا أنه على صواب -وقد يكون محقًا- ولكن هذا الأمر ليس مهمًا، المهم هو أن تقتنع المجموعة
بأن التغيير هو الصواب، وهذه هي مهمة قائد التغيير الحقيقي ، لأنك إن اتبعت الطريقة التقليدية في مواجهة مقاومي
التغيير فإنك تحكم على عملية التغيير أكملها بالفشل، فالتغيير الحقيقي يكمن في مدى قدرتك على تغيير قناعات من هم أمامك.
إن الصبر والحلم والأناة من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها صانع التغيير، كما يجب أن يتصف بالذكاء والحنكة
والفراسة الكافية التي تجعله قادرًا على قراءة أفكار الآخرين، ومعرفة أسباب مخاوفهم وشكوكهم حول فكرة التغيير،
ثم المُبادرة بطرح أهدافه ورؤيته عن التغيير بأسلوب سلس يُمكن المجموعة من فهم أسباب التغيير وبالتالي الاقتناع بها ثم العمل عليها.
ولأن عملية التغيير هي نمط من أنماط السياسة، فإنه يتوجب على قائد التغيير أن يكوّن حلفاء له داخل المجموعة،
لأنه بذلك سيمزق التحالفات القديمة المتهالكة ويتعدى بمجموعته الجديدة حدود التغيير التقليدي ليصل إلى التغيير الخلاق
، ذلك الذي ينبع من قناعة كُل فرد من المجموعة ويُهمش مخاطر التغيير حتى يستطيع “مقاوموا التغيير”
من تجاوزها واللحاق بركب التطور.
يعتقد البعض عبثاً أن إخفاء أسرار العمل وقصرها وحكرها على شخصه
أنها قوة إدارة نفاذة لا يستطيع أحدًا أن يخترقها وتطيل أمد بقاءه على كرسي القيادة، ولكن تعلمنا في علم الإدارة
أن القائد الناجح هو ذلك الشخص الذي إذا ترك موقعه لأي سبب كان من إجازة أو تقاعد أو نقل فإن الإدارة لن تتأثر كثيرًا
بفقده، لأنه عمل على تدريب وإطلاع من معه على كل جزيئات العمل وإكساب من معه الثقة وزرع فيهم تحمل المسؤولية والتطلع
لإثبات الذات وينجح في ذلك بنسبة ٨٠٪ والمتبقي يكون لموهبة القيادة والتي غالبًا ما تكون مسألة فطرية لا يستطيع
القائد إكسابها لفريق العمل الذي معه، وفي المقابل وعلى الطرف الآخر يكون المدير الفاشل إذا غاب عن إدارته لأي
سبب كان فإن العمل يتعطل والفريق يتوه ولا يستطيع فعل شيء بتاتًا، وهي فلسفة لبعض المدراء يرى من خلالها تمكين
نفسه وتحصين موقعه من أي خطر يحاول الاقتراب منه ونزعه من موقعه وفق ظنه وقناعاته البائدة.
هنا ستكون
عملية التغيير للقائد الجديد متعبة ومعقدة نوعًا ما، فهو أمام أمرين أحلاهما أمَرُّ من الآخر وليس له بد منهما، الأول:
تغيير القناعات السابقة، والثاني: تدريب وتحميل فريق العمل المسؤولية لكي يخرجهم من النفق المُظلم الذي أدخلوا فيه
نتيجة دكتاتورية واستبداد من كان قبله، مع أهمية تطعيم ذلك الفريق بعناصر تحمل فكر التغيير لدمجهم مع الفريق القديم ونقلهم نقله نوعية.
لقد تعلمت هذا الدرس منذ ما يقارب أكثر من خمسة عشر عامًا، شاركت خلالها في كثير من ميادين التغيير، وكنت جزءًا
منها في كثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى كُنت قائدها والمُبادر بها، أنا أعي تمامًا أن من يقود التغيير ليس شخصًا
عاديًا بل يجب أن يكون شخصًا قياديًا بالفطرة، فصفات القائد الناجح في غالبها تكون فطرية لا مُكتسبة، ثم إن صناعة التغيير ليست علمًا يُدرّس إنما هي فن يُجّرب.