‘نعم للتعديلات الدستوريه من أجل مستقبل أفضل’
لا شك أن الدساتير كائنات حية لابد أن تتعاطى مع ما يحيط بها من ظروف وأوضاع مجتمعية متحركة ومتغيرة،
ومن ثم فإن التعديلات الدستورية أمر شائع الحدوث فى العالم كله، الديمقراطى وغير الديمقراطى على السواء،
وقد يصل الأمر فى بعض الظروف الاستثنائية أن تُلغى الدساتير ويتم وضع غيرها أكثر ملائمة لتطورات الأحداث على أرض الواقع.
من هنا فإن «تعديل الدستور» الذى وضعناه فى ظروف خاصة جداً فى 2014، لا يبرر أى استدعاء لخطاب مجتمعى يدعو
إلى التشتت وطعن مفهوم الرأى والرأى الآخر فى مقتل، بل علينا أن نؤكد صحة توجهاتنا صوب بناء دولة مدنية حديثة،
ترتكز على مفاهيمها الصحيحة المتعارف عليها فى المجتمعات الديمقراطية، وأهمها سيادة القانون، والشفافية، وقبول الآخر، والمواطنة، والتعددية… إلخ.
وقد وعد الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، بإجراء حوار ديمقراطى تحت قبة البرلمان، ولست أشك فى ذلك أبداً،
لكننى أود، فى الوقت ذاته، لو أن الحوار الديمقراطى امتد ليشمل المجتمع ككل، بكافة مؤسساته المعنية، ولا تتخلف عنها
منظمات المجتمع المدنى كافة، فليس بأقل من ذلك يمكن أن ننتج وثيقة ديمقراطية تعبر عن تمسكنا بطموحاتنا
نحو دولة مدنية حديثة، بكل معانيها وقيمها الإنسانية النبيلة.
ولطالما كانت الديمقراطية معنية بالأساس بحقوق الأقليات، فإننى أود الإشارة إلى أوجه الرفض التى يُبديها المعارضون
لخطوة تعديل دستور 2014. حيث يرى هؤلاء أن المقصود بالتحديد زيادة فترة رئاسة الرئيس السيسى!.
والحق أن التعديلات، ولو أدت إلى هذه النتيجة، إلا أنها تنتهج نهجاً وطنياً لا يمكن التشكيك فيه على هذا النحو السطحى،
ثم إن الأمر برمته متروك للإرادة الشعبية الحرة التى ستعبر عنها الملايين
أمام الصناديق لتثبت أنها صاحبة الحق الأصيل فى منح السلطات لمن يتمتعون بثقتها.
وفى الواقع أن مدة الرئاسة، 4 سنوات، لا تحقق استقراراً تنشده دولتنا ونحن نجابه الكثير من التحديات
الضخمة التى تتطلب الاستعداد الدائم لمخاطر شتى، من الداخل والخارج،
ثم إن مدة مجلس النواب، 5 سنوات، لا تتناسب مع مدة رئاسة قدرها 4 سنوات.
وقد يضرب البعض مثلاً بالولايات المتحدة، والنموذج هنا مثير للدهشة للفارق الكبير الواضح، بين دولة تبنى ديمقراطية ناشئة،
وتتعرض لتحديات ومخاطر شتى، ودولة تتربع على رأس النظام العالمى، صاحبة الاقتصاد الأول فى العالم. أضف إلى
ذلك أن الكونجرس الأمريكى يعرف «التجديد النصفى» لأعضائه، وهو أمر لا تعرفه حياتنا البرلمانية. ولا أود سرد الكثير
من التفاصيل التى تؤكد أن النموذج الأمريكى غير مناسب للاحتذاء به، فالأمور واضحة أكثر من اللازم.
ولست أميل كذلك إلى آراء ترى أن التعديل جاء بسرعة أكبر من اللازم، بعد 5 سنوات فقط، وأُشير هنا إلى أن الدستور الفرنسى
وضع فى عام 1958، وتم تعديله الأول فى عام 1962. والأمثلة غير ذلك متعددة لا أود تكرارها. العبرة إذن ليست بمدة بقاء الدستور
دون تعديل، مثلما هى ليست أيضاً بنوع التعديل، فتلك أمور شكلية، لابد من قياسها بموضوعية وفق ما يحيط بالدولة من ظروف وأوضاع.
والدستور الأمريكى، وهو أقدم دستور مكتوب غير منقطع الاستعمال فى العالم، وهو دستور جامد غير مرن، أى لا يجوز
تعديله بقانون عادى، ومع ذلك تم تعديله عدة مرات، ولم يجد السياسيون الأمريكيون، ولا الشعب الأمريكى، فى ذلك ما ينتقص
من قدر من وضعوه عام 1789، وما زال النظام السياسى الأمريكى النموذج الأول فى الشكل الرئاسى.
لست أشك أن جملة من التعديلات ستجرى على دستور 2014، ربما لا تلقى نفس الاهتمام الذى تلقاه التعديلات المعنية بمدة الرئاسة،
لكنها شديدة الأثر على المجتمع، فقد وضع دستور 2014 فى ظروف استثنائية، وأثبتت التجربة «السريعة»
أن تعديلات ينبغى أن تتم، مثلما أكدت السنوات الخمس الماضية على أهمية نصوص دستورية فى دستور
2014 سيتم الاحتفاظ بها باعتبارها مكاسب نالها الشعب ولا يجوز إهدارها.
من هنا رأيت أن أتناول التعديلات الدستورية المقترحة بقدر من التفصيل فى مقالات قادمة، حتى يصبح الرأى العام على بينة
من أمره، وتأكيدا على حق الشعب فى إجراء حوار مجتمعى مفتوح
، لا تحكمه غرف مغلقة على أعضائها من المتخصصين، فإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.