كتب : أديب سلامة
فى عام 1958 فوجئ ثروت عكاشة وزير الثقافة وقتها بزيارة من السفير الأمريكى ومعه مدير متحف المتروبوليتان
يعرضان عليه شراء معبد أو اثنين من معابد النوبة التى ستغرق بعد مشروع السد العالي، غضب وقتها ثروت عكاشة
وبادرهما قائلا: إنه كان يتوقع أن يعرضا المساعدة فى إنقاذ المعبدين بدلا من التفكير فى تحويل هذا التراث الإنسانى لسلعة
، وبعد انتهاء المقابلة سافر دكتور ثروت عكاشة إلى بلاد النوبة فى بداية 1959 واكتشف أن ما كان يحدث على ارض الواقع
يؤكد ما سمعه تماما حيث اكتفى الأثريون وقتها بتوثيق وتسجيل الآثار التى ستغرق حيث لم تكن الدولة تمتلك
إمكانات تسمح بما هو أكثر من ذلك.. بدأ الوزير يفكر فى طريقة لإنقاذ تلك الآثار وعلى رأسها معبدا أبو سمبل اللذان
يمثلان درة من درر الحضارة الإنسانية ، فأرسل خطابا لليونسكو يدعوها لحماية آثار النوبة من الغرق واستجابت
المنظمة بإعلان باريس الشهير فى مارس 1960 والذى أطلقت فيه نداء عالميا لمساندة مصر فى إنقاذ آثار أبو سمبل قبل أن تغرق.
اتخاذ قرار النقل كان يبدو فكرة مستحيلة ، ظهرت فكرتان لنقل المعبد، الفكرة الأولى هى نقل المعبد قطعة واحدة
بطريقة هيدروليكية عبر 250 رافعة تتحرك معا 200 حركة وهو ما يجعل احتمالية انهيار أى جزء منها لو حدث خطأ واحد
، أما المقترح الأخير فكان نقله بعد تقطيعه وإعادة تركيبه فى مكان آخر أكثر أمانا وهى الفكرة التى تم الاتفاق عليها
بعد شهور من دراستها فنيا وهندسيا, وبالفعل تولت 6 شركات تنفيذ هذا العمل الضخم وهى شركتان سويديتان
وشركة إيطالية وشركة ألمانية وشركة فرنسية وشركة أطلس المصرية.
تكلفت عملية تقطيع وإعادة تركيب معبد أبو سمبل 60 مليون دولار وهو رقم كبير جدا وقتها. دفعت مصر الثلث والشعب
الأمريكى الثلث بينما كان الثلث الأخير تبرعات من شعوب عدة دول. أشرف على النقل مهندسون ألمان بينما كانت
الأيدى العاملة مصرية بالكامل 2000 عامل وقد بلغوا فى دقة العمل ما لم يتخيله الخبراء فدراسات المشروع أكدت أن عملية
تقطيع المعبد والتماثيل يجب أن تتم يدويا حتى لا تؤثر عمليات التقطيع الميكانيكى على الأحجار بينما سمحت بالتقطيع
الميكانيكى للجسم الخارجى للجبل وكانت لابد أن تتم بمعايير شديدة الدقة وأهمها ألا يزيد سمك القطع على 6 ملى
وهنا حقق العمال المصريون معجزة حقيقية فلم يزد السمك على 4 ملى وبدقة أدهشت الخبراء الأجانب خاصة أنهم قاموا
بتقطيع المعبد لخمسة آلاف قطعة بلغ وزنها حوالى 250 ألف طن من الأحجار المكونة للمعبد هذا بخلاف حوالى 300 ألف طن
من صخور الجبل التى سيعاد تركيبها فوق المعبد ليكون بنفس شكله القديم. مع بداية عام 1965 أي بعد 5 سنوات
من إطلاق الحملة بدأت الأعمال التنفيذية فى موقع المعبدين الضخمين وبدأوا برأس تمثال رمسيس حيث رفع أولا التاج
ثم الوجه الأمامى ثم بقية الرأس وكانت لحظة رفع وجه رمسيس لحظة تاريخية اعتبرها من عملوا فى المشروع
أروع لحظات العمل وأكثرها دلالة على عظمة الإنجاز. واعتبرت اليونسكو ذلك أكبر عملية تعامل مع أثر فى تاريخها الممتد
لسبعين عاماً حتى الآن. بعدها توالت عمليات رفع باقى التماثيل ثم انتقل العمال لداخل المعبد لتقطيعه وتوثيقه ليعاد
تركيبه مرة أحرى بعد نقله لمكان يقع على بعد 200 متر غرب مكانه الاصلى شرقا ويرتفع حوالى 65 مترا عن سطح الأرض
ليكون فى مأمن من مياه البحيرة التى غمرت فيما بعد مكان المعبد القديم تماما.
أعيد تجميع المعبد من الداخل ثم تركيب التماثيل بطريقة لا تعتمد على استخدام أى لواصق بتقنية التداخل
، باقى الأحجار تم رصها بنفس ترتيبها القديم ليكتمل بناء المعبد تماما كهيكل وبقى فقط أن يتم احتواؤه بالجبل كما كان
، وهنا ظهرت فكرة شديدة العبقرية تعتمد على بناء قبة خراسانية تغطى المعبد
كاملا ليتم وضع أحجار الجبل فوقها وذلك لإعطاء
الشكل السابق مع ضمان حماية المعبد من أى أحمال خارجية، هذه القبة
يبلغ عرضها حوالى 65 مترا وتمتد لضعف هذا العمق للداخل.