قصة قصيرة
” السيجارة “
جلست أحتسي فنجان كعادتي بعد عمل يوما شاق فأمتدت عيناي للخارج ……إستوقفني رجل يرتدي معطف ممزق ومتسخ ..ومهلهل …يجرجر ساقيه…
…وبيديه غطاء من الصوف الخشن والممزق أيضا وخلفه قطة ضعيفة فاستلقى على حجر ملقى بجوار القمامة وأنحنى متقوسا .
…بعين بائسة ……مثقلة بالهموم ..تصاعدت أصوات العربات وإزدحامها… لم أعرف لماذا أسرعت أبحث عنه كنوع من الشغف
أو الإشفاق عليه … رغم أن الصورة قد تكون مكررة .. كثيرا بحياتنا..وقد خيم صمت الترقب ..على الرصيف … وأنا بالقرب منه
…أترقبه .وإذا به امسك بيديه المرتعشتين …وبتنهيدة عميقة .. ووجه شاحب…. سيجارة
….وأشعلها ….خاطر ببالي قد يكون جائعا سارعت بالاقتراب منه وأعطيته بعض من الطعام معي ..’فلم يكترث
ونظر إلي بنظرات جامدة وساكنة …. إنتابني الفضول ظلت واقفة بالقرب منه وهو يدخن بفتور غريب ويأخذ نفس عميق
…لم أعرف ماذا تعني له السيجارة فقط…أهي غاية أحرق شيء ….أم يريد أن يختنق بها ….و’بإستخفاف وعدم اكتراث
القي الطعام كله للقطة الضعيفة بجواره وسحب الغطاء الخشن على وجهه ..ولكن قبل أن التفت وأمشي بطريقي …
وجدته اندفع بإزاحة الغطاء وهب واقفا رغم ضعفه في ضيق وملل .. حتى النوم لم يسعفه ويريحه بعضا من الوقت فالحزن
والألم مثل الشوك لابد من انتزاعه اولا …حتى نتقبل لحياتنا وجود …..ظل واقفا لبرهة ..كدت اقترب منه مرة أخرى
ولكن لمحته وأنا اختلس نظراتي الأخيرة يتوه في الزحام وطغت عليه جموع من البشر وأصوات نفير السيارات وفي ثوان أصبح
..كصورة بعيدة باهتة ….وساحت الأفكار بداخلي ..جعلتني أتسآل..أتستحق هذه الحياة ….كل هذه المعاناة. ؟