معركة غيرت مجري التاريخ الأوروبي
علي الأراضي الفرنسية وقعت معركة تور أو بلاط الشهداء في شهر أكتوبر 732 م. بين العرب بقيادة عبد الرحمن الغافقي
وجيش الفرنجة بقيادة شارل مارتل (المطرقة) وفيها تمكن جيش الفرنجة من رد جيش المسلمين علي اعقابه في تلك المعركة الحاسمة
وقد ذكر المؤرخون الغربيون هذة المعركة بكثير من الفخر و الغرور والغطرسة كما لو كانت الشعوب الأوروبية قد نجحت في القضاء علي غارة همجية بربرية.
ولم تكن الدول الأوروبية في إيطاليا وجنوب أوروبا ليستقر لها قرار أو يهدأ لها بال وهم يشاهدون الزحف العربي الإسلامي
بادئا من الطرف الجنوبي الغربي للقارة و استمرت محاولات الدول الأوروبية المتاخمة لإسبانيا في شن الغارات و المعارك
ضد العرب المسلمين هناك مما أضطر العرب المسلمين الي التوسع شمالا في سلسلة من الحروب الوقائية للسيطرة علي مزيد
من الأراضي الأوروبية فيما وراء الجزء الشمالي من اسبانيا. وفي عام 721 م. خاض السمح بن مالك حاكم الأندلس سلسلة
من المعارك حتي استشهد في معركة بالقرب من تولوز في الأراضي الفرنسية. ثم قاد خلفه عنبسه بن سحيم الكلبي سلسلة
من المعارك وصلت فيها جيوش الأندلسيين الي إقليم بورجندي علي مسافة 160 كم من باريس ولكنه قتل في طريق عودته أثناء عبوره جبال البرانس علي يد قبائل البشكنس. عام 725.
تولي عبد الرحمن الغافقي حكم الأندلس بعد مقتل عنبسه وتقدم بجيش كبير كان قوامه نحو 400 الف مقاتل واستطاع
أن يخضع النصف الجنوبي من فرنسا حتي وصل بلدة تور الواقعة جنوبي باريس. هذا ولم تكن فرنسا آنذاك تحت حكم ملك واحد
بل كان شأنها في ذلك شأن معظم الممالك الأوروبية آنذاك مجرد أقاليم و ولايات.. وإزاء تقدم جيش عبد الرحمن الغافقي
الي وسط فرنسا اضطر حاكم ولاية إودو الي طلب النجدة من شارل مارتل الملقب بالمطرقة لشدة بأسه وقوة جيشه في شمال فرنسا.
وبعد معركة حامية الوطيس بين الجانبين أصيب عبد الرحمن الغافقي بسهم أودي بحياته في تلك المعركة مما أضعف معنويات
جنوده الذين شرعوا في الانسحاب من تلك المعركة والتي من كثرة قتلاها سميت بمعركة (بلاط الشهداء)
وكان من أهم نتائج تلك المعركة أن توقف الفتح الإسلامي لفرنسا وباقي أوروبا.
وليس انتصار جيش أو هزيمة آخر حدثا منقطع النظير في التاريخ الإسباني بطبيعة الحال خصوصا عندما ندرك طول خطوط
مواصلات الجيش الفاتح مما يبعده عن مواطن إمداده و تموينه بالرجال و العتاد ومن الطبيعي أن يضعف هذا الجيش بالتدريج
ويفقد قوة اندفاعه شيئا فشيئا كما حدث بالنسبة لغزوة هانيبال بعد عبوره جبال الألب و محاولته دخول روما. ولقد حدث
ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية في مرات عديدة أبرزها ضعف الإمدادات الألمانية لجيش روميل في شمال أفريقيا مما
جعله ينهزم في معركة العلمين وكذلك تراجع الجيوش الألمانية عن الأراضي الروسية نظراً لطول خطوط الإمداد. فمن طبائع الأمور
في المعارك الحربية أن تقف الجيوش الغازية عند حد معين لا تستطيع أن تتجاوزه وعندما يحاول جيش أن يتجاوز قدراته الهجومية
يتعرض للهزيمة دون شك.
ولا ينبغي أن ننسي أن الحروب و المعارك الكبري إنما هي أسباب لتحديد مصائر الشعوب
و الأمم وفقا لإرادة و مشيئة الله. وقد شائت إرادته أن تتوقف الفتوحات الإسلامية في جنوب غرب أوروبا عند بلدة تور وان تتوقف
الفتوحات العثمانية عند أبواب فيينا في جنوب شرق أوروبا لتظل قارة أوروبا مغلقة في وجه الفتوحات العربية الإسلامية بعد ذلك.