اللواء /رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي
كتب /أيمن بحر
يرى مراقبون أن الهجوم الإنتحارى في منبج وتبنى “داعش” له يشكل صفعة قوية للرئيس ترامب، فالرئيس الأمريكى
برر نيته سحب قواته من سوريا بالقول قبل أسابيع إن تنظيم “داعش” قد هزم وبالتالي لا مبرر لبقاء الجنود الأمريكيين هناك.
بعد أربعة أسابيع فقط من إعلان الرئيس الأميركى دونالد ترامب هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف بإسم “داعش”
، قتل 16 شخصاً على الأقل بينهم مدنيّون وأميركيون فى هجوم تبنّاه التنظيم الإرهابى
، والذى شكل صفعة لترامب وسلّط الضوء على واقع ميدانى مختلف تماما، فقد فجّر إنتحارى نفسه داخل مطعم فى
وسط مدينة منبج الواقعة فى شمال سوريا والخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية، وهى إئتلاف مقاتلين عرب وأكراد
مدعوم من واشنطن، فى أعنف هجوم ضد القوات الأميركية منذ إنتشارها فى سوريا فى 2015، وكان الرئيس الأميركى
أعلن فى 19 كانون الأول/ديسمبر أن الولايات المتحدة قد الحقت مع حلفائها “الهزيمة” بتنظيم “داعش”، وأمر بسحب القوات الأميركية
من البلاد، وفى حين رحّب أميركيون كثر بقرار الرئيس الأميركى الإنسحاب من سوريا بعد أن ضاق ذرعاً بتكاليف نزاعات مستمرة
منذ سنوات، قال مراقبون إن ترامب كان متسرّعاً جدا فى قراره،
وقال تشارلز ليستر، المحلل فى معهد الشرق الأوسط إن الهجوم يبيّن أن تنظيم
“الدولة الإسلامية” يبقى قادراً على شن هجمات من هذا النوع، بعد ان تراجعت قوته العسكرية وتقلصت سيطرته على الارض
بشكل كبير، وتابع ليستر “بهذه الطريقة تحديداً تمكّن هذا التنظيم الجهادى من التأقلم والعودة للهجوم فى السنوات الماضية”
، وأضاف المحلل أن “قرار ترامب كان متهوّراً ومدفوعاً بهواجس السياسة الداخلية الأميركية أكثر منه بالوقائع الميدانية.”
ومن أجل محاولة إثبات ما أعلنه بشأن هزيمة “داعش”، شدد ترامب على مساحات الأراضى التى خسرها التنظيم الإرهابى
منذ إعلانه “الخلافة” فى مناطق شاسعة كان سيطر عليها فى 2014 فى كل من العراق وسوريا، لكن الجهاديين
لا يزالون يسيطرون على جيوب صغيرة فى وادى نهر الفرات، وتفيد تقارير بأن الآلاف من مقاتليه لا يزالون فى سوريا.
ولم يصدر الرئيس الأميركى على الفور أى رد فعل على مقتل الجنود الأميركيين، لكن نائب الرئيس مايك بنس أكد ما كان
أعلنه ترامب بأن الولايات المتحدة ستسحب كامل جنودها المنتشرين فى سوريا والبالغ عددهم نحو الفى جندى، وقال بنس
إن “الخلافة قد إنهارت وتنظيم الدولة الإسلامية قد هزم”، من دون أى إشارة للهجوم
فى شمال سوريا، فيما أحال البيت الأبيض الاسئلة المتعلّقة بالهجوم على وزارة الدفاع.
وإعترض أعضاء فى الحزب الجمهورى الذى ينتمى اليه ترامب على قرار الرئيس، من بينهم السناتور ليندسى غراهام المعروف
بأنه من أكبر مؤيدى سيد البيت الأبيض، وقال غراهام إن “ما يقلقنى في تصريحات الرئيس ترامب هو أنها أثارت حماسة العدو
الذى نقاتله”، وتابع السناتور الجمهورى “آمل أن يفكّر الرئيس مليا فيما هو مقبل عليه فى سوريا، أعلم أن الناس يشعرون بالإحباط،
لكننا لن نكون ابدا فى مأمن هنا ما لم نكن مستعدّين لمساعدة الناس الذين سيتصدّون هناك لهذه الأيديولوجية المتطرّفة”.
بدوره قال السناتور الجمهورى مارك روبيو إن تبنّى “داعش” للهجوم يشكّل “تذكيراً مأساوياً بأن تنظيم الدولة الإسلامية
لم يهزم وقد تحوّل الى تمرّد خطير،” وقال روبيو على تويتر “الوقت الآن ليس للإنسحاب من المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
هذا الأمر لن يؤدى الا الى زيادة عزيمتهم وتقويتهم”.
وفى الأسابيع التى تلت إتّخاذه قراره بالإنسحاب وبدء البنتاغون تطبيقه، أدلى ترامب وأعضاء فى إدارته بتصريحات متناقضة
حول الجدول الزمنى لسحب القوات الأميركية من سوريا، والأسبوع الماضى أعلن مستشار الأمن القومى للرئيس الأميركى
جون بولتون أنه يجب توافر شروط من بينها ضمان سلامة الحلفاء الأكراد، قبل انسحاب القوات الأميركية من سوريا.
وجاء إعلان البنتاغون أن الولايات المتحدة قد بدأت “عملية إنسحابنا المنظّم” من سوريا، وتأكيده أن العملية تقتصر على
سحب عتاد عسكرى “غير ضرورى” وليس جنوداً، ليزيد من الإلتباس المحيط بالإنسحاب الأميركى من سوريا.
في نفس الوقت، تستعد تركيا لتأخذ مكان الولايات المتحدة فى شمال سوريا وذلك ليس لمحاربة تنظيم “داعش” بالدرجة الأولى،
وإنما لضرب القوات الكردية التى ساهمت بشكل أساسى فى دحر الإرهابيين فى معاقلهم فى الرقة ودير الزور وغيرها من مناطق القتال
، فيما يعتقد المراقبون للمشهد السورى بأن إهتمام تركيا بضرب المقاتلين الأكراد يشكل منفساً وعوناً كبيراً للتنظيم المتشدد للإلتقاط الأنفاس
وإعادة تنظيم صفوفه بعد الخسائر الجسيمة التى لحقت به فى العراق وسوريا.