كتب : مسعود ابو حمود
ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسي، كلمة في أكاديمية الحزب الشيوعي الصيني، خلال زيارته العاصمة بكين، للمشاركة
في قمة الصين – أفريقيا،ـ وجاء نص الكلمة كما يلي:
أود أن أعرب عن سعادتي للتحدث أمامكم في هذه الأكاديمية العريقة للحزب الشيوعي الصيني، بما تمثله من صرح أكاديمي رفيع،
وبما تعبرون عنه من مستقبل مشرق لأجيال الشباب الصيني المقبلة، التي تحمل على عاتقها مسئولية مواصلة تلك النهضة الكبيرة
التي أذهلت العالم بنموذجها التنموي، وتعكس في الوقت ذاته الحضارة الصينية العريقة، التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ،
ويقيني أنكم فخورون بما تمثله الصين من إضافة وإسهام للعالم
ولعلي في هذا السياق أتوجه بالشكر والتقدير لدولة الصين الصديقة، حكومة وشعباً، على كرم الضيافة وحسن الاستقبال
، ويطيب لي أن أعبر عن حرصي على تلبية الدعوة بزيارة الصين، وسعادتي الشخصية بها، نظراً لخصوصية العلاقات بين بلدينا،
والتزامنا معاً بتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين.
تأتي زيارتي الخامسة إلى الصين انعكاساً لتطور العلاقات المتميزة بين البلدين، وتأكيدا للحرص على استشراف آفاق أرحب للتعاون،
ليس فقط على الصعيد الثنائي، ولكن أيضاً بين الصين وأفريقيا، وبالأخص في المرحلة المقبلة حيث تتولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي للعام 2019.
وقد أسفرت المباحثات التي أجريتها مع فخامة الرئيس “تشي جين بينج” بالأمس، عن تأكيد استمرار توافق رؤى ومواقف البلدين
تجاه شتى القضايا الإقليمية والدولية وفي المحافل الدولية، والأهمية التي نوليها لتعزيز علاقاتنا الثنائية في مختلف المجالات،
والاستفادة من التجربة الصينية في مجالات التكنولوجيا والتطور الصناعي، وتعزيز العلاقات التجارية والثقافية
، والتواصل بين الشعوب، باعتباره الضمانة الحقيقية لترسيخ نتائج التعاون القائم بين البلدين.
وفي سياق متصل، تُعد مصر شريكاً حضارياً وتاريخياً للصين في مبادرة فخامة الرئيس “تشى جين بينج” الحزام والطريق،
التي تقوم على إعادة إحياء طريق الحرير، حيث أبدت مصر تأييدها الكامل لهذه المبادرة، وعبرت عن أهمية المشروعات التي يتطلع الجانبان
إلى تنفيذها في منطقة قناة السويس في إطار المبادرة، وشهدت زيارة الرئيس الصيني إلى مصر في يناير ٢٠١٦
توقيع مذكرة تفاهم بين حكومتي البلدين، بهدف تعزيز التعاون فى قطاع البنية التحتية وتنفيذ المشروعات الوطنية الكبرى،
خاصة فيما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة.
إنني على ثقة بأنكم على دراية بحراك التنمية الشاملة في مصر خلال المرحلة الأخيرة التي أسفرت عن نمو بلغ 5.3% في عام 2017/2018،
وحجم احتياطي نقدي تجاوز 44 مليار دولار، وسط جهود لتخفيض عجز الموازنة إلى أقل من 10% من الناتج القومي الإجمالي،
ما يعكس التوجه الجاد للحكومة المصرية لتحقيق نمو اقتصادي متسارع، من خلال برنامج إصلاح اقتصادي جاد وغير مسبوق في فلسفته
وطريقة تنفيذه وسرعة تحقيقه للنتائج الملموسة، ويتم ذلك بالتوازي مع تنفيذ مشروعات كبرى في مختلف المجالات، وبالأخص البنية التحتية
وتشييد عدة مدن وعاصمة إدارية جديدة، بالإضافة إلى مشروعات الطرق والأنفاق واستكشافات حقول الغاز الطبيعي،
وتحقيق الاكتفاء في الطاقة الكهربائية وبناء محطة نووية لتوليد الطاقة، والتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، مروراً بمشروع إنشاء محور التنمية
بمنطقة قناة السويس، وجميعها مشروعات جاذبة للاستثمارات، ونتطلع إلى دور أكبر للشركات الصينية فيها.
لا شك أن تحقيق التنمية التي تحتاجها شعوبنا وتستحقها
، مرهون باستعادة الاستقرار السياسي في المنطقة، ووقف هدر الدم والطاقة والموارد الذي تعرضت له شعوبها ولا تزال.
وتقتضي الصراحة أن نعترف بأن السنوات الماضية عرضت النظام الإقليمي العربي لأزمات حادة، لعلها الأخطر منذ انتهاء حقبة التحرر الوطني،
وبات مستقبل بل ووجود الدولة الوطنية ذاتها مهدداً، بفعل ضغوط داخلية وتدخلات خارجية تهدد بتقويضها، وتفضي لفراغ استراتيجي
أثبتت التجارب أنه لطالما مثل البيئة الملائمة لنشوء التوترات الطائفية والأعمال الإرهابية التي تواصل مصر التصدي لها بصرامة
ومن خلال مقاربة شاملة تضم بجانب النواحى العسكرية والأمنية، الأبعاد الاجتماعية والثقافية والفكرية.
من هنا، فقد كان الوجه الآخر للجهود الكبيرة التي قامت بها مصر على مدار السنوات الأربع الماضية لإعادة بناء دولتها واقتصادها،
هو استراتيجية نشطة للتحرك الخارجي تستعيد زمام المبادرة في المنطقة، وتعيد لشعوبها مقدراتها، وترأب الصدع الذي أصاب
النظام الإقليمي العربي ودوله الوطنية، وتستعيد الاستقرار الإقليمي، وتسترجع قيم الانتماء والعمل والثقة في المستقبل
لدى الإنسان المصري والعربي.
وإلى هذا الأساس استندت مواقف مصر في التعامل مع جميع الملفات السياسية في المنطقة.
فقد تمسكت مصر بأن مفتاح الخروج من المأزق الليبي هو المعالجة الشاملة لأزمة غياب الدولة، من خلال حكومة تمثل جميع الليبيين
وتمارس سلطاتها على جميع أنحاء ليبيا، وجيش قوي يواجه الإرهاب ويحمي الاستقرار، وانتخابات حرة تستكمل المؤسسات التشريعية للدولة.
ولا وقف لنزيف الدم في سوريا، إلا بحل سياسي يبدأ بإعادة كتابة الدستور السوري بالطريقة التي تؤدي لإعادة بناء النظام السياسي
والدولة الوطنية، وتلبي الطموحات المشروعة للشعب السوري الشقيق.
وكذلك لا مخرج في اليمن إلا بالحل السياسي، وبإنهاء كافة محاولات طرف معين الاستقواء بأطراف غير عربية لفرض إرادته على سائر بني وطنه بقوة السلاح.